المصدر: المدن
الكاتب: ندى اندراوس
السبت 31 أيار 2025 01:51:09
بموازاة اشتداد الضغوط الداخلية والخارجية على لبنان للبدء بتطبيق مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، أتى لقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع وفد كتلة الوفاء للمقاومة. لقاء استعرض فيه الواقع القائم والتحديات الماثلة، في ضوء الإلحاحات الدولية المتزايدة على لبنان للانطلاق بخطوات عملية تعكس التزامه ببيان وزاري صاغه بالإجماع، ويتضمن بنوداً واضحة حول سيادة الدولة وانفرادها بالسلاح تنفيذاً لاتفاق وقف اطلاق النار والقرار 1701.
لا التزامات زمنية ولا صدامات
في تفاصيل أكثر عن اللقاء وما سيليه على مستوى التواصل بين الرئيس وحزب الله، علمت "المدن" أنه في لقاء بعبدا شرح عون للوفد أنّ المرحلة الراهنة لم تعد تحتمل التسويف، وأنّ الترجمة الفعلية لحصرية السلاح باتت مطلباً ملحّاً من الداخل والخارج، مشيراً إلى أنّ الحزب سبق أن وافق على مضمون البيان الوزاري، وبالتالي لا سبب يدعو إلى التأجيل. لكنه في الوقت ذاته شدّد على أنّ المسار لا يمكن أن يكون صدامياً أو قسرياً، بل يجب أن يتم بالتفاهم والتوافق، إنطلاقاً من حرص الرئيس الدائم على السلم الأهلي، ووعيه أن لا قدرة للبنان على تجاوز أزمة السلاح خارج إطار التعاون.
وفد الحزب من جهته أعاد التأكيد على ما يصفه بـ"النوايا الحسنة"، مشدّداً على أنّ سلاحه ليس موجّهاً إلى الداخل، بل لعب دوراً محورياً في "تحرير لبنان". وجدد التمسك بموقفه القائل إنّ "لا مجال لبحث تسليم السلاح طالما الاحتلال الإسرائيلي لا يزال قائماً، والأسرى في قبضة العدو"، معتبراً أنّ السلاح يشكّل مصدر قوة، خصوصاً أنّ الجيش اللبناني ليس مهيأ لخوض حرب غير تقليدية أو مواجهة عسكرية من نوع حرب العصابات. ولا هو يملك القدرة العسكرية والعتاد اللازمين والتجهيزات للتصدي للعدو الاسرائيلي في مواجهة تقليدية.
ورغم عدم التوصّل إلى اتفاق نهائي، فإنّ مناخاً جديداً وُلد، يقوم على فكرة البحث الممرحَل والمنظَّم في كيفية مقاربة ملف السلاح، لا سيما في مناطق شمال نهر الليطاني، على أن يتم ذلك بهدوء ومن دون أي صدام أو فرض، ووفق آلية غير معلنة بعد، ولا تتضمن أي التزام زمني. وحرص الوفد على التوضيح أنّه لم يقدّم أي تعهّد، بل أعاد التمسك بثوابت الحزب المعروفة، وهو ما يعني أن البحث الجدي لا يزال مؤجلاً بانتظار تغيّر المعطيات الميدانية، وفي مقدمها إنسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وتحرير الأسرى، وتمكين الجيش من الجهوزية الكاملة للانتشار وبسط السيطرة.
لكن حزب الله يدرك تماما، وهذا ما سمعه من رئيس الجمهورية، أن لا خيار آخر ولا عودة إلى الوراء، وأنّ الدولة ماضية في هذا المسار ولن تتراجع، مع التشديد في الوقت ذاته على أنّ أيّ خيار لا يكون بالتفاهم هو خيار غير مطروح. لكن عدم تسليم السلاح لم يعد ممكناً إلى ما لا نهاية. وبالتالي، فالمسألة هي مسألة توقيت ومسار تنظيمي تنفيذي.
اختبار نزع سلاح المخيمات وإعادة الإعمار
نزع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات لم يغب عن لقاء الرئيس ونواب الحزب. الأول كشف عن بدء خطوات عملية لمعالجة ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات في المرحلة الأولى التي ستشمل مخيمات مار الياس، شاتيلا، وبرج البراجنة، كاختبار جدّي للنيات الفلسطينية. وفي حال التزم الفلسطينيون بوعودهم في هذه المرحلة، يمكن الانتقال لاحقاً إلى مخيمات أخرى. أما في حال الممانعة، فالحلّ سيكون إما عبر التفاوض مع الجهات الإقليمية الراعية لبعض الفصائل، لاسيما حركة حماس، أو من خلال وسائل أخرى التي لا يريد لبنان أصلا أن يلجأ اليها. وبالتالي أي خطوة لن تستند إلى عامل القوة أو التصادم. لكن المحسوم أن السلاح لن يبقى في المخيمات. فرئيس الجمهورية كان واضحا في موقفه. لن تتراجع الدولة في هذا الملف، لكنّ "لا يزال مبكراً الحكم على مسار الأمور"، في انتظار ما ستسفر عنه المرحلة الأولى التي تبدأ في 16 من الشهر المقبل.
في سياق متصل، يعلم رئيس الجمهورية كما حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري خصوصا، أنّ الحديث عن إعادة إعمار ما دمّره العدوان يبقى غير واقعي في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي:"حتى لو فكت العزلة عن لبنان وحتى لو سلم كل السلاح، وأفرجت الدول عن أموال إعادة الاعمار، كيف لهذا الاعمار أن يبدأ والاحتلال مستمر في المناطق التي دمرت؟" لهذا كثف الرئيس ولا يزال اتصالاته الخارجية في كل اتجاه، حتى أنه في زيارته الأخيرة إلى مصر التقى بعيداً من الأضواء بمسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب لشؤون العرب والشرق الأوسط، حيث أوضح الموقف اللبناني وطلب دعم واشنطن للضغط على إسرائيل كي تنسحب وتُفرج عن الأسرى. كما أكد على ضرورة إعطاء لبنان الوقت الكافي لتجهيز جيشه وتوسيع انتشاره حتى الحدود.
"لا يمكن لأحد أن يطلب من لبنان اتخاذ إجراءات أحادية فيما يجري على الأرض ما يعاكس مصلحته الوطنية. ويجب إعطاء الجيش فرصة لإثبات حضوره وضبطه للحدود، بدلاً من مطالبته بما لا يمكنه تنفيذه في ظل واقع مختل".
مفترق حاسم
اختتم الرئيس عون لقاءه المطول مع وفد نواب حزب الله بالاتفاق على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة، وسط قناعة متبادلة بأنّ المرحلة تتطلب إدارة هادئة للمسائل الحساسة، بعيداً من أي تصعيد، وبما يحفظ الاستقرار الداخلي ويصون وحدة الدولة وهيبتها. مع العلم أن الطرفين ومعهما الرئيس بري وكذلك رئيس الحكومة نواف سلام ومختلف القوى السياسية تدرك تماماً أن لبنان أمام هذا المشهد المتشابك، يواجه خياراً من اثنين:
إما الدخول في عملية تفاوضية داخلية تقود إلى إعادة تنظيم العلاقة بين الدولة والسلاح خارجها، ضمن رؤية وطنية واضحة، أو الاستمرار في المراوحة، مع ما يعنيه ذلك من مزيد من العزلة والضغط والعجز عن الاستفادة من أي فرصة إنقاذية أو دعم خارجي.
وبين موقف رئيس الحكومة وعدد من القوى السياسية الذي يعتبره حزب الله استفزازيا، ومواقف رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي الحذرين من انفجار داخلي، ومواقف حزب الله الرافضة لأي نقاش مشروط، يترنّح ملف السلاح في دوامة التجاذبات، بينما تتراكم الرسائل الدولية بأن زمن التسويات الرمادية قد انتهى.. وأن من لا يملك قراره، لن يُمنح فرصة للنهوض.