السلاح خسر "إقليميته": تصعيد عسكري وأمني إسرائيلي مرتقب؟

إنها المرة الأولى منذ عقود، التي يُطرح فيها ملف السلاح بشكل رسمي وجدي على طاولة الحكومة. يحاول كثيرون تشبيه ما يجري بأنه مقدمة لأحداث 7 أيار 2008، والقرارين الشهيرين اللذين اتخذتهما الحكومة اللبنانية في 5 أيار 2008، حول تفكيك شبكة اتصالات حزب الله وسلاح الإشارة لديه، ما أدى إلى "حرب أهلية" مصغرة. وآخرون يشبهون ما جرى بقرار اتخذ في العام 1993. إذ في حينها اعتبر حزب الله أن الدولة اللبنانية اتخذت قراراً بإرسال الجيش إلى الجنوب وسحب سلاحه، ما أدى في حينها إلى مواجهات بين الجيش اللبناني والأهالي المناصرين للحزب. فيما بعد نُقل ملف السلاح إلى طاولات الحوار، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005. لكن هذه الحوارات لم تؤد إلى أي نتيجة، خصوصاً بعد صدور إعلان بعبدا في العام 2012، ومن ثم تنصل منه حزب الله وانخرط في الحرب السورية. 

معادلة 2016

بعدها ارتكز اللبنانيون إلى معادلة أن الحلّ لسلاح حزب الله هو حلّ إقليمي، وهو ما تكرس في التسوية الرئاسية عام 2016، والتي اعتبرت أن وضعية حزب الله العسكرية جزء من معادلة أو أزمة إقليمية وليس موضوعاً داخلياً لبنانياً. وهذه لازمة كانت تتردد على ألسنة المسؤولين اللبنانيين طوال تلك الفترة، والتي خلالها تصرفت الدولة اللبنانية كناقلة رسائل بين حزب الله من جهة والجهات الدولية من جهة أخرى. وهو ما تجلى بوضوح في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.

خلال الحرب الأخيرة أيضاً، كانت السلطة اللبنانية ناقلة رسائل، وتهتم فقط بمواكبة الحرب بالمعنى الإغاثي والاجتماعي. كل المفاوضات كانت تدور مع حزب الله من خلال الدولة اللبنانية. الضربات كانت تتركز على حزب الله، وتم تحييد الدولة اللبنانية ومرافقها. وكانت التصريحات واضحة بأن لبنان نجح في إبعاد شبح هذه الحرب عن المرافق العامة والبنى التحتية. 

وضوح أم تمييع؟

في العهد الجديد ومع الحكومة الجديدة، رُفع عنوان معالجة سلاح حزب الله داخلياً، وأصبحت الدولة اللبنانية هي المعنية في إيجاد حلّ لمعضلة السلاح، وهي التي تطرح في بيان الحكومة الوزاري وكل المواقف، مبدأ العمل على حصر السلاح بيد الدولة. ومنذ اتفاق وقف إطلاق النار، وإطلالات أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، يتركز الكلام لدى الحزب على أهمية دور الدولة اللبنانية في معالجة كل الملفات. هذه الدولة أصبحت مطالبة من قبل القوى الدولية بالالتزام بمعالجة ملف السلاح، وكذلك مطالبة من قبل حزب الله بضرورة وقف الاعتداءات، وإجبار إسرائيل بالانسحاب وإطلاق مسار إعادة الإعمار. وأصبح الحزب (كلامياً على الأقل) يقف خلف الدولة اللبنانية في مسألة الدفاع عن لبنان وتوفير مقومات الحماية. 

بذلك أصبحت السلطة اللبنانية في قلب المواجهة المباشرة، إما مع القوى الدولية وإما مع حزب الله. وهو ما ستشهده جلسة مجلس الوزراء الأسبوع المقبل. والتي تتأرجح بين جواب واضح يرضي الخارج، وبين محاولة التمييع وفق الطريقة اللبنانية المعتادة، لتفادي حصول صدام داخلي. وهنا لا بد من انتظار كيفية تلقف القوى الدولية لهذا القرار أو الموقف. وهناك من يعتبر أنه في حال لم تتمكن الحكومة من إقرار خطة واضحة تتضمن جدولاً زمنياً لسحب السلاح والالتزام به، فإن لبنان سيكون في مواجهة المجتمع الدولي، مع ما يعنيه ذلك من تصعيد عسكري وأمني إسرائيلي، في مقابل تراجع منسوب الاهتمام بالملف اللبناني، وعدم تقديم أي مساعدات وعودة لبنان إلى مسار الاهمال. 

خطاب الرئيس

أما في حال أقدمت الحكومة على وضع خطة زمنية مجدولة لسحب السلاح بشكل واضح، فذلك سيضع أمامها تحدي التنفيذ، وكيفية إقناع حزب الله بذلك. علماً أن أوساط الحزب تفيد بأنه لن يسمح بتسليم أي قطعة سلاح قبل التزام إسرائيل باتفاق تشرين الثاني الماضي، وقبل الانسحاب ووقف الضربات. ويقول أيضاً إن المدخل الفعلي لمعالجة ملف السلاح هو "الحوار". ذلك إما سيؤدي إلى توترات في الشارع، وإما سيولّد أزمة سياسية تشل عمل الحكومة والعهد. 

وهذا ما لا يريده أحد في لبنان، ولا سيما رئيسا الجمهورية والحكومة. في هذا السياق جاء موقف الرئيس جوزاف عون متكاملاً في مناسبة عيد الجيش، وقد وضع الإطار العام المتكامل لجلسة الحكومة الثلاثاء ومقرراتها، من خلال التأكيد على حصرية السلاح والعمل على تحقيقها، في مقابل المطالبة بتعزيز الجيش ودعمه بعشرة مليارات دولار على عشر سنوات، والتركيز على أهمية الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب ووقف الاعتداءات والخروقات وإطلاق سراح الأسرى وإطلاق مسار إعادة الإعمار. وهذا ما يعني فتح الباب جدياً أمام النقاش في الآلية التنفيذية لتطبيق حصرية السلاح، والتي يجب أن تترافق مع الضغوط على إسرائيل لتطبيق اتفاق تشرين الثاني الماضي، وهي تحاول الخروج منه إلى اتفاق جديد.