كتب أحمد الغز في اللواء:
الشيخ سامي الجميّل أطلق صرخة وطنية حقيقية خلال جلسة مناقشة البيان الوزاري في ٢٥ شباط، وأكد على عدم تجاوز رمزية جنازة المدينة الرياضية يوم الأحد 23 شباط، واستحضر اغتيال القادة (بشير الجميّل، رفيق الحريري، كمال جنبلاط)، ولم يكن استحضار هذه القامات مجرد استرجاع للمآسي، بل بما تمثّله مسيرتهم من محاولات لبناء هوية وطنية جامعة، فكانت جنازاتهم بمثابة محطات تأسيسية معلّقة في ذاكرة الوطن، وجاء الخطاب في لحظة تشهد فيها البلاد موجات شبابية عابرة للطوائف تنادي بدولة قوية وشراكة وطنية جامعة وصادقة.
تأكيد خطاب الشيخ سامي على عدم تجاوز جنازة الأحد ٢٣ شباط يعكس فهم الأعباء الملقاة على عاتق الرئيس نبيه بري، والخطاب تلاقى ايضا مع خطاب الرئيس سعد الحريري في 14 شباط، الذي اكد على اهمية انتخاب الرئيس العماد جوزاف عون وخطاب القسم، كما تلاقى مع خطاب الزعيم وليد جنبلاط في 16 آذار الذي دعا إلى طي صفحة الماضي بعد أن انتصرت "عدالة التاريخ"، وهذه الوقفات الوطنية تزامنت مع التحولات الدقيقة في سوريا وارتداداتها اللبنانية ومع وقفات الذكرى الخمسين على ١٣ نيسان ١٩٧٥ اليوم الأسوأ في تاريخ لبنان .
دعوة الشيخ سامي الى (المصارحة والمصالحة) تحاكي عملية (الانصاف والمصالحة) المغربية و(الحقيقة والمصالحة) في جنوب افريقيا وغيرها من عمليات إعادة تجديد الهويات الوطنية الناجحة، والتي جاءت نتيجة بلوغ تلك المجتمعات مرحلة من النضوج والتأمل والاصغاء واحترام عقول كل المكونات والطبقات والقطاعات والأجيال، وإدراك ان الفرد الواحد متعدد الهويات النوعية والمهنية والثقافية و و و، وان الهوية من (هو) والاسرة الواحدة متعددة الهويات والخصوصيات وان التنوع حالة طبيعية في كافة المعادلات و المكونات الانسانية، وان تجديد الهويات الوطنية تجعل المجتمعات اسرة وطنية واحدة ومتعددة ومتجددة وفي حالة انسياب وجودي وقانوني ويصبح الحوار ثقافة مستدامة وليس مناسبة، وعندها تنتفي اسباب الضياع والعنف والنزاعات وتمزق الهويات الوطنية.
بعد تأمل طويل في معاناة الاجيال اللبنانية مع العنف البدائي وقمع الحريات البديهية الفردية والجماعية على مدى عشرات السنوات، لا بد من الاعتراف بموضوعية وشجاعة خطاب الشيخ سامي الجميّل ودعوته الى تجديد الهوية الوطنية بما يليق بمستقبل شباب لبنان.