المصدر: نداء الوطن
الكاتب: البروفسور أنطوان جدعون
الجمعة 7 آذار 2025 07:52:21
في أواسط سبعينيّات القرن الماضي، كنتُ أسكن ووالديّ وإخوتي في بلدة أبلح البقاعيّة، على بُعد نحو مئة متر من الثكنة العسكرية حيث كان والدي رتيباً في الجيش اللبناني.
اعتدتُ آنذاك أن أشارك بعض الرفاق في حركة شبابيّة تُعنى بتنشئة الأولاد من خلال برامج ثقافيّة تساهم في تشكيل شخصياتهم من الجوانب الفكريّة والاجتماعيّة والعملية.
صودفَ أنني كنت في تلك السنة في عداد المسؤولين عن هذه الحركة بإشراف كاهن البلدة الخوري سعيد عبّود الذي قُتِلَ في ما بعد في منطقة الشوف إبّان حرب الجبل عام 1983.
كان الخوري عبود يتحلّى بطيبة لامتناهية وبتواضع وتجرد لا مثيل لهما.
وحدث أن جرت مشادة كلاميّة بيني وبينه، في أحد اجتماعاتنا الدوريّة مع بعض مسؤولي الحركة، فاضطررت على أثرها إلى مغادرة قاعة الاجتماع ساخطاً والعودة إلى المنزل.
في الرابعة من بعد ظهر ذاك النهار الربيعي الجميل، وبينما كنت واقفاً على الشرفة بصحبة والدي، فوجئت بسيّارة بيضاء تقترب من منزلي وتقف عند مدخله. وإذ بالخوري عبود ينزل منها ثمّ يتقدم نحونا بخطوات سريعة.
ارتعبت لوهلة وتكهنتُ على الفور بأنّه آتٍ كي يشكوني إلى والدي بسبب ما حصل صباحاً. فهُرعت صوبه للتحدث إليه بعيداً عن مسمع والدي.
عندما اقتربت منه صافحني قائلاً لي بصوت دافئ: "القديس بولس في رسالته إلى أهل أفسس 4 يقول: "لا تغرب الشمس على غضبكم"، وقد جئتُ إليك كي نتصالح قبل غروب الشمس".
أذهلني كلام الكاهن الجليل لصفائه ونبل أخلاقه وقدرته على التلاقي مع الآخر المختلف.
بعد مرور نحو 50 سنة على كلام الخوري عبّود، وحده الشيخ سامي الجميّل، ذكّرني، خلال مداخلته الجريئة في البرلمان اللبناني، الأسبوع الفائت، بكلام مار بولس، وبوجوب المصالحة وقبول الآخر قبل غروب شمس الوطن.
إنّ ذلك الطرح السياسي الذي قدّمه رئيس "حزب الكتائب"، والمتقدم عن غيره من الطروحات لارتكازه على التسامح والتآلف في الاختلاف والتنوع تحت سقف القانون، هو السبيل الوحيد إلى قيام دولة التلاقي والتعدد في إطار مشروع يحمله أناس مختلفون تجمعهم تطلّعات وأهداف مشتركة.
البروفسور أنطوان جدعون- نائب رئيس جامعة السوربون سابقاً