المصدر: الراي الكويتية
الاثنين 17 تشرين الثاني 2025 01:54:51
فَرَضَ التصعيدُ المشهودُ للضغوط الدولية عموماً والأميركية خصوصاً على لبنان، والذي كَرَّسَ «تلازُم المسارات» بين حَصْرِ السلاح بيد الدولة و«عَصْرِ» تمويل «حزب الله» وتسريع الإصلاحات الهيكلية، تحولاتٍ نوعيةً على المشهد الداخلي المرتبك أساساً بـ «الرياح الساخنة» التي تلفح جبهة الجنوب والتي تُنْذِر باحتمالاتِ تَجَدُّدِ الحرب الاسرائيلية أو تَوَسُّع الضربات.
وتَحفل هذه المسارات ثلاثية البُعد بتعقيداتٍ يُخشى أن تضع السلطات المعنية على المستويات التشريعية والتنفيذية والاجرائية أمام استعصاءٍ لجهة إمكان تحقيق الاستجابة المطلوبة، سواء على صعيد إدارة التعامل مع المندرجات «الصعبة» لِما هو مطلوبٌ في المضمون، أو لناحية القدرة على الالتزام بالمهل الزمنية التي باتت مرسّمةً، وإن من دون إعلانٍ رسمي، والتي تراوح بين نهاية السنة الحالية وبين 6 أشهر كحدّ أقصى لينضمّ اليها تالياً الملفُ الشائك بدوره والمتمثّل بالانتخابات النيابية في مايو المقبل.
وبمعزل عن الإدارة السياسية، والمنوطة خصوصاً برئاسات الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، لهذه الاستحقاقات الداهمة في بُعديْها السياسي والأمني، يؤكد مسؤول مالي معنيّ تواصلت معه «الراي» أن المهمة الرامية الى تجفيف قنوات تمويل «حزب الله» والجمعيات التابعة له، لا تقلّ ثِقْلاً ولا حساسية عن ملف السلاح، سواء من وجهة نظر قيادة الحزب نفسه، أو لجهة الموجبات الاجرائية والتدابير التنفيذية لتحقيق الأهداف المطلوبة.
وبالفعل، لا يزال دويّ الصدمةِ يلفّ الأوساطَ الداخليةَ كافة التي بقيت تحت تأثير «التبليغ» الأميركي بتتبُّع تَسَرُّبِ مبالغ تُناهِز مليار دولار الى «حزب الله» خلال السنة الحالية، والغمزِ من «تقصيرِ» السلطات اللبنانية في كبْح مرور التمويلات النقدية الواردة من ايران، بمبالغ تناهز 60 مليون دولار شهرياً، عبر حمولاتٍ «عينية» تَعْبر خلسةً من المنافذ البرية، وربما البحرية والجوية، وايضاً من خلال شركات صرافة ومؤسسات تحويل أموال تَجذبها الرغبة في تحقيق أرباح كبيرة وإن غير مشروعة.
ومن الواضح أن هذه المعطيات والتي يصنّفها المسؤولُ المالي بـ «المضخّمة عمْداً» لتبرير تشديدِ الضغوط والتهويل بالعقوبات، تضع اقتصادَ البلد المُنْهَك وتجارته ومعاملاته المالية عبر الحدود في مواجهةِ سلسلةِ حواجز دولية ستعود حتماً بالضرر والسلبية على ملامح استعادة النمو الايجابي للناتج المحلي المرتقب بنسبة 5 في المئة هذه السنة، ومعاودة تنشيط القطاع المالي بعد ستة أعوام من أزمةٍ نظاميةٍ عاتيةٍ وسلسلة الانهيارات المالية والنقدية، ناهيك عن «الإجراءات التحفيزية» لبيروت التي يُرتقب أن تعلنها المملكة العربية السعودية لجهة رفْع الحظْر عن الصادرات اللبنانية إليها في إطار مبادرةٍ أشبه بملاقاة «بلاد الأرز» في منتصف الطريق بعد حرْبها الناجحة والمستمرة على «الكبتاغون» وأخواته.
وتترقب الأوساط الداخلية طبيعة الإجراءات الموازية وذات الطابع السياسي، باعتبارها منوطة بوزارات المال والداخلية والعدل التي شملتْها جولة وفد وزارة الخزانة الأميركية الأسبوع الماضي، وبما يشمل التشدُّدَ في ضبط المعابر البرية والبحرية وتحسين الأداء في المطار، والنظر في سحْب «الغطاء» الرسمي عن جمعيات تابعة للحزب وفي مقدّمها مؤسسة «القرض الحسن»، ومحاصرة المدفوعاتِ النقدية للبيوعات العقارية والعينية لدى كتّاب العدل، وسواها من إجراءاتٍ واجبةِ الإقرار والتنفيذ، وفق «التوصيات» الأميركية، أو تَحَمُّل التبعات والعقوبات في حال التلكؤ والمماطلة.
أما في القطاع المالي، وهو الأكثر دينامية، فقد استوجبتْ المخاوفُ من تداعياتِ تأخير التجاوب مع الضغوط الأميركية القائمة أساساً، التزخيمَ الفوري للتدابير الوقائية مِن قبل السلطة النقدية وذلك بعد يومين فقط من اجتماع وفد الخزانة الأميركية مع حاكم مصرف لبنان كريم سعيد.
وتمحورتْ هذه التدابير حول تشديد الرقابة على المؤسسات المالية غير المصرفية وتعزيز امتثالها لشروط التتبُّع المالي، خصوصاً أن بعضها مُتَّهَم بتسهيل مرور أموال غير مشروعة. وكان أبرز الإجراءات في هذا الإطار التعميم الصارم من «المركزي» الذي فرض اعتماد نموذج «اعرف عميلَك» (KYC) وتطبيقه على المستفيد من أي عمليات تتعدى الألف دولار، وليس 10 آلاف، وفق القواعد المعتمَدة سابقاً.
ولم يتردد البنك المركزي في إفصاحه، عن التعهد بأنه «ستكون هناك خطوات لاحقة لفرْض إجراءات احترازية إضافية على المصارف التجارية، بما يؤدي إلى إقامة طبقات متعددة من الضوابط ونقاط التدقيق الرامية إلى الكشف عن الأموال غير المشروعة واحتوائها ومنْع تداولها عبر النظام المصرفي وشبكة القطاع المالي».
وفي ما يمكن وصفه بالتبرير الموارب، وتوخياً لتهدئةِ أي ارتداداتٍ محتملة في الداخل، رَبَطَ البنك المركزي تعميمَه، الذي يُعتبر الخطوة الأولى ضمن سلسلة من الإجراءات الإحترازية الهادفة إلى تعزيز بيئة الامتثال داخل القطاع المالي وخصوصاً غير المصرفي، بـ «العمل على إخراج لبنان من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF)، اذ ان إدراج أي دولة على هذه اللائحة يُعَدّ مؤشراً إلى وجود ثغر في مكافحة المعاملات المالية غير المشروعة، ما يؤدي الى تشديد التدقيق والرقابة الدولية وانخفاض مستوى الثقة من المؤسسات المالية العالمية».
وتتمثل هذه الخطوة، وفق الإفصاح الرسمي، في فرْض الإجراءات الوقائية على جميع المؤسسات المالية غير المصرفية المرخّصة من مصرف لبنان، بما في ذلك شركات تحويل الأموال، وشركات الصرافة، وغيرها من الجهات التي تقوم بعمليات التداول بالأموال النقدية من العملات الأجنبية وتحويلها من لبنان وإليه.
وتهدف اجراءات الحماية إلى منْع انتقال الأموال غير المشروعة أو المكتسَبة بطرق غير قانونية عبر هذه المؤسسات، من خلال فرْض متطلبات امتثال أكثر تشدُّداً وإجراءاتِ عنايةٍ معزَّزة على جميع الأشخاص المعنويين والطبيعيين المُشارِكين في العمليات النقدية، بما في ذلك المستفيدون النهائيون.
وألزم القرار الأساسي المرفَق بتعميم البنك المركزي رقم 3، المؤسسات المالية غير المصرفية، بجمْع المعلومات والبيانات والمعلومات التفصيلية، ذات الصلة بعمليات الصرف والتحويل على مستوى الأفراد والشركات، مع التحديث المستدام لمندرجات وثائق «اعرف عميلك» وفق النماذج المرفقة، وبما يشمل الأشخاص الطبيعيين والشخصيات المعنوية وأصحاب الحق الاقتصادي. مع التنويه بتعداد هذه المؤسسات التي تضمّ الشركات المالية وكونتورات التسليف وشركات الصرافة والمؤسسات التي تتيح التحويلات المالية داخلياً وخارجياً بالوسائل الالكترونية، والمؤسسات التي توفر خدمة المحافظ الالكترونية التي تخضع لرقابة مصرف لبنان.
وطلب التعميم من المؤسسات المالية وغير المصرفية، إرسال البيانات المطلوبة الى البنك المركزي، وفق البرامج المشفّرة المطلوبة، وبمهلةٍ لا تتجاوز يومي عمل بعد تنفيذ العملية، وعبر استخدام البريد الإلكتروني المخصّص لجمع المعلومات. كما فرض اعتماد النماذج الخاصة بالعمليات النقدية والعملاء الجدد خلال اسبوعين من تبلُّغ القرار، وإنهاء إجراءات العملاء الحاليين خلال ستة أشهر من تاريخ صدوره. مع التنويه بأن مخالفة هذه الأحكام تعرّض المؤسسات للعقوبات المنصوص عليها في المادة 208 من قانون النقد والتسليف.
ولم تقلّ دلالة التقارير عن إجراءات مالية جديدة للبنان ومن ضمنها قيود تشمل «القرض الحسن» وستحدّ من عمل الجمعية التابعة لحزب الله خلال الفترة المقبلة بحيث ستتوقف المعاملات المصرفية وآلات سحب الأموال (ATM) التابعة لها في لبنان، على أن يقتصر عملها على إيداع الذهب والحصول على أموال مقابلها فقط وتالياً منع التبادلات المالية بينها وبين المودعين.
"حزب الله"
وفي مؤشّر إلى تحوّل «التعقُّب» المالي لـ«حزب الله» ومصادر تمويله «صاعقاً» يُخشى أن «يجذب» المزيد من الارتدادات السياسية كونه يشكّل «ملعباً خلفياً» لـ «المعركة على السلاح»، برز تصعيد الحزب على هذه الجبهة.
فالنائب علي فياض انتقد «سياسة الخنق والإطباق والحصار المالي»التي تمارسها واشنطن.
وقال «من النتائج المباشرة والسريعة لزيارة الوفد الأميركي إلى بيروت، هي الإجراءات الإضافية التي أقرها المجلس المركزي لمصرف لبنان، والتي تفرض على كل لبناني يجري تحويلاً يساوي أو يتجاور الف دولار ان يقدم معلومات تفصيلية تغطي كل جوانب حياته من عمله ومصادر رزقه ومنزله وإنفاقه وهاتفه وأملاكه وكيفية تصرفه بماله، ولكن من حقنا أن نتساءل عن مقدار هذا الإمتثال من السلطات المالية والنقدية اللبنانية وبالأخص المصرف المركزي الذي بلغ حد الخضوع والإستسلام الكاملْين، واللذين لا يبقيان على أثرٍ لسيادة ولا لكرامة وطنية، ويهددان الاستقرار والمصالح اللبنانية بصورة مباشرة. وإذا وضعنا هذه الإجراءات في سياق التعميمات السابقة الصادرة عن المصرف المركزي وهيئة التحقيق الخاصة، وما يتم تحضيره من تعاميم وقرارات إضافية وقرارات وزير العدل اللبناني، فإن ذلك يعني ان لبنان دخل في مرحلة الاستباحة الكاملة التي تجرِّد المواطنين اللبنانيين من حقوقهم وحريتهم وتهدد سبل معيشتهم وتجعل حياة شريحة أساسية منهم جحيماً لا يطاق.
وإذ اعتبر هذه الإجراءات «طعناً في شريحة واسعة من الشعب اللبناني»، سأل «ألم يفكّر هؤلاء في مخاطر الاحتقان الإجتماعي الذي تنتجه هكذا إجراءات وممارسات نقدية ومالية وتأثيراته المباشرة على الاستقرار الداخلي ومسار التعافي والإصلاح، الذي يعدون به اللبنانيين"؟
وختم «ما يجري يضع البلد على عتبة مرحلة خطيرة، لا تقلّ خطورة عن تأثيرات الاغتيالات والتدمير والتهجير التي يتعرّض لها».
«طهران تايمز» تفتح "النار" على مصرف لبنان
استهدفت صحيفة «طهران تايمز»، إجراءات مصرف لبنان النقدية. وكتبت: «لقد تخلّى البنك المركزي اللبناني فعلياً عن سلطته، وسلّم واشنطن المفتاح الرئيسي بينما تطوّع لمراقبة مواطنيه نيابة عن مبعوثي وزارة الخزانة الأميركية الذين قضوا بضع ساعات فقط في بيروت قبل إصدار أحدث مجموعة من الوصايا المالية».
واعتبرت الصحيفة «أن كل صراف تحول بفعل تعاميم مصرف لبنان إلى مكتب استخبارات مصغر»، مشيرة الى «أن اللبنانيين يخضعون الآن لتدقيقٍ تَدخُّليٍّ أشدُّ صرامةً مما يفرضه العديد من الدول المدرَجة على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي».
وأضافت «ليس المهم إذا كان أيٌّ من هذا يُكافح غسل الأموال حقا. فالفائدة السياسية هي الرسالة، ففي نهاية المطاف، الأمر لا يتعلق بألف دولار، بل بالسيطرة والتبعية والتطبيع الهادئ للتدخل الأجنبي المُتستر وراء ستار الامتثال».
وختمت الصحيفة «ليس مجازياً، بل حرفياً. إن قيام مبعوث أميركي علناً بتكليف حاكم مصرف لبنان المركزي بدورٍ طليعي في المواجهات الإستراتيجية للولايات المتحدة هو مشهدٌ متوقَّع في بلدٍ واقع تحت احتلالٍ فعلي، حيث تعمل مؤسسات ما يُسمى بالدولة ذات السيادة كمُلحقاتٍ إداريةٍ تابعةٍ للقوة المحتلة».
السفير الأميركي الجديد زار مسقطه في بسوس
يسلّم السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى، نسخة عن أوراق اعتماده، غداً الإثنين، إلى الرئيس اللبناني جوزف عون ووزير الخارجية يوسف رجي ليبدأ رسمياً مهماته في بيروت.
وعشية تقديم أوراق اعتماده، حرص عيسى اللبناني الأصل على زيارة مسقطه في بسوس قرب عاليه التي كان غادرها العام 1978.
وفي رحلة العودة إلى الجذور، عرّج عيسى بعيداً عن العدسات على ضريح والديه، قبل أن يزور الكنيسة القديمة في البلدة التي كان تعوّد أن يقصدها يوم كان صغيراً، قبل أن يشارك مع الأهالي في قداس الأحد في كنيسة «سيدة بسوس» حيث ألقى كلمةً وسط ملامح تأثُّر بحفاوة اللقاء عبّرت عنها عيناه الدامعتان.