الطيور تؤرق المطار وتهدّد الملاحة... أيّ حلول لضمان سلامة الطائرات والمسافرين غير الصيد؟

كتب شربل بكاسيني في النهار: 

مرة جديدة تُثير الطيور الموجودة في محيط مطار رفيق الحريري الدولي، والتي تؤثر على سلامة حركة الطيران المدني، ضجة كبيرة، هذه المرة مع ما يُنبئ بتكرار سيناريو 2017 - يوم - بعدما خيّر رئيس مجلس إدارة "الميدل إيست" محمد الحوت الدولة بين "تدخّل القوى الأمنية أو السماح للمطار بالاستعانة بصيّادين" لمعالجة مسألة الطيور التي تحوم بشكلٍ أساسي حول مطمر "كوستا برافا" ونهر الغدير المحاذيين.

المشكلة ليست جديدة، فمطلع العام 2017، أجرى الخبير الفرنسي هنري ميلّيه معاينة ميدانية لموقع "كوستا برافا" ومنشآت المطار والمناطق المحيطة، ووضع على إثرها تقريراً أولياً تضمّن اقتراحات عدّة وحلولاً تقنيّة وطبيعيّة تحول دون اللجوء إلى الصيد، ومنها تجهيز المطار بمعدّات صوتية وضوئية مخصّصة لهذا الغرض، ورفَع تقريره إلى مجلس الإنماء والإعمار الذي أورد في البند الثاني اقتراحاً لم يؤخذ على محمل الجدّ، يقوم على "استخدام أشخاص بدوام كامل في المطار، يكونون مدرّبين ومجهّزين بما يلزم لطرد الطيور خصوصاً عند إقلاع الطائرات وهبوطها أسوة بالمطارات المعرّضة لخطر الطيور". في تلك الفترة، انتشر مقطع فيديو لقبطان طائرة كان يستعدّ للهبوط على مدرج في المطار، إلّا أنّه اضطرّ إلى تغيير وجهته بعد مشاهدته أفواجاً من طيور النورس كانت تشرب الماء من مستنقع في حرم المطار، فاتّجه بالطائرة صعوداً لتلافي الاصطدام بها حفاظاً على سلامة الطائرة وركابها. وما هي إلّا بضعة أيّام حتّى انتشرت صور لصيادين بجانب "كوستا برافا" يصوّبون بنادقهم نحو طيور النورس محاولين إبعادها عن المدرّجات... وكان ما اعتُبر "مجزرة بيئية وخرقاً للاتّفاقات الدولية".

تجدر الإشارة إلى أنّ لبنان - عنق الزجاجة بالنسبة الى الطيور المهاجرة - وقّع عام 2002 على "اتّفاقية الطيور المائيّة المهاجرة الأورو ـ آسيوية والأفريقيّة" AEWA، بموجب القانون الرقم 212/2002، والتي تهدف إلى المحافظة على الأنواع المُهاجرة من الحيوانات والطيور المائيّة، باعتبارها تشكّل جزءاً مهماً من التنوّع البيولوجي. وتشمل الاتفاقيّة حماية 254 نوعاً من الطيور المائيّة، من ضمنها النورس.

في السياق، أفادت مصادر متابعة "النهار" بأنّ "المشكلة تجدّدت اليوم بسبب زيادة أعداد الطيور (اليمام والعصافير الصغيرة) المنتشرة في محيط مطار رفيق الحريري الدولي وتشكيلها خطراً داهماً على سلامة الطيران المدني"، ولفتت إلى أنّه "سوف يُستقدم صيادون لاصطياد الطيور، وهذه ليست أول مرة تحدث". وأشارت إلى أنّ "الحوادث التي حصلت في الآونة الأخيرة للطائرات جميعها - الميدل إيست وغيرها - أصبحت مخيفة، وهي بحاجة إلى حلّ جذري".

من جانبه، ذكّر وزير البيئة ناصر ياسين بكتابٍ لوزارته يعرض مجموعة أساليب لإبعاد النورس عبر تركيب أجهزة في مدرّجات المطار تُصدر ضجيجاً لطرد الطيور. وقد ذكر في حديث الى "النهار" أنّ من الحلول التي يمكن أن تُطبّق في مهلة قصيرة "تركيب أجهزة تُبعد الطيور عن خط سير الملاحة الجوية"، مشيراً إلى أنّ "الأجهزة موجودة بالفعل وقد تكون بحاجة إلى تحديث". وشرح ياسين أنّ الوزارة أجرت "دراسة كاملة حول الموضوع"، وذكرت أنّ مطارات عدّة حول العالم تُبعد الطيور البحرية، على وجه التحديد، بهذه الطريقة.

إلى ذلك، أثار ياسين موضوع "تربية الحمام في محيط المطار"، معتبراً أنّه "موضوع إداري - أمنيّ" ومؤكّداً التواصل مع وزير الداخلية والبلديات لمنع تربية الحمام ضمن مجال معيّن وعلى مسافة محدّدة. وأشار إلى مناقشة وضع خطة إدارة بيئيّة للمطار والمناطق المحيطة مع وزيري الأشغال والداخلية "لوضع خطة للحلول بشكل سريع، بما أنّ هذه الطيور تنجذب إلى مدرّجات المطار لأسباب معيّنة ومنها وجود الأكل والماء في محيطه"، إلى جانب "موضوع رمي الفضلات في نهر الغدير"، واصفاً إيّاه بـ"التلوّث المزمن الذي تفاقمت مشاكله عبر الزمن".

وإذ لفت إلى "صدى إيجابي" تلقّاه من زملائه في الوزارات المعنيّة، شدد ياسين على "ضرورة وضع خطة بيئية متكاملة تُنفّذ مباشرةَ، علماً أنّ الوضع الماليّ صعب، ونُحاول تطبيقها بشكل تدريجي".

بدوره، استنكر الناشط البيئي بول أبي راشد عبر "النهار" العودة إلى السيناريو السابق، إذ يرى في صيد الطيور المهاجرة التي وصفها بـ"الزوار" إهانة للدولة، مذكّراً بأهمّيتها على صعيد التوازن البيئي، و"جريمة بيئيّة بحقّ سمعة لبنان".

المعادلة الحالية قوامها سلامة الطائرات والمسافرين في مقابل سلامة الطيور. "ماذا نفعل؟"، سأل أبي راشد، "لم يجرّبوا بديلاً من الكوستا برافا لأنّهم يستفيدون منه مادّياً"، رافضاً "قرار إعدام الطيور تماماً بل إخافتها عبر الكشاشين والأجهزة".

وإذ أعرب عن خشيته من العودة إلى العام 2017، سأل: "لماذا لم نسمع بالنورس منذ تلك الفترة حتى اليوم؟ هل التوقيت مرتبط بملف دفع لمتعهّدين يديرون مطمر كوستا برافا؟ وهل يدخل ضمن عملية الابتزاز أو التمرير؟".

الطيور المهاجرة وسيناريو 2017

أمّا البروفسور في علم الطيور البرية وبيئتها غسان جرادي فيشرح لـ"النهار" أنّ "طيور النورس تؤدي دوراً بيئياً بامتياز، وهي بحريّة وبريّة لأنّها تمرّ بمرحلة تعيش فيها بالمزارع وتأكل الحشرات والديدان، وهو ما يجهله البعض". ويقسم طيور النورس الموجودة في لبنان إلى نوعين: "النوع الأول يعشش على صخور محمية جزر النخل الشمالية، يُسمّى النورس الأصفر الساق (Yellow-legged Gull)، والنوع الثاني أصغر حجماً ويُهاجر إلى الساحل اللبناني حيث الأكل والمياه العذبة في الفترة الممتدّة من نصف كانون الأول حتى أواخر شباط - مطلع آذار فقط".

نعود وجرادي إلى العام 2017. "النورس الذي دخل حرم المطار في تلك الفترة هو النورس الأسود الرأس أو المُسمّى النورس الضاحك (black-headed gull)، والذي يُغادر بقعة التكاثر في الشمال الأوروبي في فترة البرد والثلج نحو المتوسط". ويشرح أنّ "عدد الطيور التي هاجرت إلى لبنان في تلك الفترة كان نحو 10 آلاف طير - وهو رقم لا يُذكر مقارنةً بالعدد الإجمالي للطيور في لبنان، ويعود كلّ عام بالأعداد نفسها". يومذاك، تبيّن أنّ ركود مياه الشتاء على مدرج جنوبيّ في #مطار بيروت داخل حفريات جذب طيور النورس. "راحت تصطاد من البحر وتعود لتشرب من المياه الحلوة"، يقول جرادي، "وربّما شكّلت خطراً على الطيران".

تشرب الطيور البحريّة المياه الحلوة وإن كانت ملوثة وتقتات على الأسماك والقاذورات كما في نهر الغدير. وما حصل عام 2017 هو أنّ الطيور توجّهت نحو المطار، وفي خطوة وصفها جرادي بـ"النيّة الحسنة التي استحالت أكبر خطأ"، اصطاد الصيادون "أنواعاً من الطيور النادرة التي لا علاقة لها بالمطار، والتي تشرب وتذهب، كطيور الخرشنة (Sterna) وصقر اليونورا (Falco eleonorae) الذي يصطاد الطيور البحرية المهاجرة وينظّف البيئة من القاذورات ولا ينافس الصياد أصلاً على الأسماك". ويروي البروفسور جرادي كيف أنّ "أربعة طيور مالك الحزين راحت ضحيّة الصيد العشوائي قرب المطار عام 2017، من أصل نحو 40 طائراً من الفصيلة عاشت في لبنان في فصل الشتاء".

ما الحلول والأساليب الممكنة لإبعاد النورس؟

مع مراعاة الأثر البيئي، يطرح البروفسور جرادي جملة أساليب صديقة للبيئة ولا تؤثّر على النظام الإيكولوجي، أبرزها:

- تركيب أجهزة لإخافة الطيور وإبعادها عبر إطلاق صوت النورس الفضي (European herring gull)، الذي يؤدّي دور الكشاف بالنسبة الى طيور النورس ويكون صوته بمثابة صافرة تحذير في محاكاة للطبيعة، لأنّه عندما يشعر النورس بخطر يُطلق صوتاً معيّناً فتهرب الطيور من دون أن تعرف ما حدث.

- ردم المناطق التي تحتوي على برك ماء في المدرجات ومحيطها.

- زرع أعشاب تنمو إلى نحو 40 سنتيمتراً على جوانب المدرج، لأنّ النورس لا يقف في الأعشاب الطويلة لخوفه الفطريّ من الأعداء.

- إطلاق طائرة مسيّرة (drone) يُعدّل هيكلها حتى تُشبه الصقر أو العقاب - أو حتّى مسيّرة عادية - وتكون على اتّصال ببرج المراقبة مثلاً لتجنّب الاصطدام بالطائرات.

- استعمال مدفع "فوفاش" يُطلق صوتاً بين الحين والآخر فيُخيف الطيور.

- الاستعانة بصقر مدرَّب في المطار (غير أنّ العملية قد تكون مكلفة) ويعمل مُدرّبه بطريقة فنية ليُهاجم طيور النورس والطيور المهاجرة، إذ إنّ الطيور الجارحة هي من أبرز أعدائها.

- استعمال مادة لها تأثير منوّع توضع على سمك السردين مثلاً فيأكلها النورس - لأنّ حاسة الذوق لديه ضعيفة - وينام لنحو 8 ساعات، وهي مدّة كافية لجمع الطيور ووضعها في أقفاص وإطلاقها في منطقة أخرى.

يتخوّف جرادي من أنّ "معظم الصيادين، وإن كانوا مثقّفين، لا يعرفون أنّ هناك 25 نوع طيور في منطقة المتوسط موجودة في لبنان وهي من الأنواع المهدّدة بالانقراض على المستوى العالمي، ولا يعرفون كيف يميّزونها"، ويُشير إلى "اتّفاقية التنوّع البيولوجيّ" التي صادق عليها لبنان عام 1994 وإلى أنّ الأنواع الـ25 محميّة بموجب "اتفاقية برشلونة" التي تُلزم الموقّعين عليها حماية الأسماك الغضروفية والحيتانيات والنباتات البحرية وأنواع الطيور والسلاحف البحرية والتكتلات المرجانية وغيرها من التكتلات الأحيائية الكلسية وفقمة الراهب المتوسطية.