العدلية "المعتمة": إرجاء استجواب رجا وماريان.. واستدعاء سلامة مجدداً

في بلد يفتقد لأدنى معايير المنطق، وفي خطوة فجائية، لا تدل إلا على سقوط مؤسسات الدولة اللبنانية، توقفت معاملات المواطنين داخل قصر العدل ببيروت، وألغيت جلسات الاستجواب، بسبب انقطاع التيار الكهربائي وسيطرة الظلام على الغرف والقاعات، نتيجة عدم تمكن القضاء اللبناني من تأمين مبلغ لا يتعدى 200 دولار أميركي، لتصليح العطل في المولد الكهربائي.

تأجيل جلسات الاستجواب
ففي العاشرة صباحاً، حلّت مساعدة رياض سلامة ماريان الحويك، ضيفة لدى قاضي التحقيق الأول شربل أبو سمرا، حيث كان من المفترض أن يتم استجوابها. ولكنها لم تتمكن من الصمود لأكثر من ساعة، بسبب الظلام وارتفاع درجات الحرارة، فغادرت قصر العدل بعدما قرر أبو سمرا تأجيل الجلسة لموعد لاحق. 

حال الحويك، كان مماثلاً لرجا سلامة، شقيق الحاكم، الذي دخل إلى قصر العدل صباح اليوم الثلاثاء 25 تموز، لحضور جلسة استجوابه أمام القاضي أبو سمرا، ببزة رسمية وبحضور وكيله القانوني، ولكنه لم يتمكن من التصدي لدرجات الحرارة المرتفعة والخانقة داخل غرفة التحقيق في الطابق الأول، فخرج مبللاً بشكل لافت، حاملاً سترته باليمنى ومنديل ورقي باليسرى.

هذه الأسباب دفعت بقاضي التحقيق الأول، شربل أبو سمرا، إلى إرجاء جلسة الاستجواب ليوم الأربعاء في الثاني من شهر آب، كي يتمكن من استجواب المدعى عليهما "بأجواء أفضل".

تحرك هيئة القضايا
في السياق نفسه، يبدو أن "المذكرة" التي قدمتها رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانا اسكندر أمام قاضي التحقيق، والتي اعترضت فيها على انتهاء جلسات استجواب الحاكم على هذا النحو السريع، لافتةً إلى ضرورة الاستماع إليه عدة مرات لتجميع الكثير من المعطيات، قد نجحت في تغيير المسار المقبل ولو بنسبة قليلة.

فقد علمت "المدن" أن القاضي أبو سمرا قرّر "فجأة"، تحديد جلسة لاستجواب الحاكم الأسبوع المقبل، أي بالتزامن مع جلسة استجواب ماريان ورجا.

في المقابل، يؤكد أبو سمرا بأن قرار استجواب الحاكم مرة أخرى لا يتعلق بالمذكرة التي تقدمت بها هيئة القضايا بوزارة العدل. ووفقاً لأقواله، فلا علم له بمضمونها، ولكنه قرر استجواب الحاكم مرة أخرى بما يتناسب مع الملف!

بالعودة إلى أسباب انقطاع التيار الكهربائي عن قصر عدل بيروت، فقد علمت "المدن" بأن المولد الكهربائي بحاجة إلى صيانة فورية بسبب عطل مفاجئ. المستغرب في هذا الأمر، أن قيمة الصيانة بلغت حوالى 170 دولار أميركي فقط، في حين لم يؤمن هذا المبلغ بعد، مما أدى إلى تعطيل معاملات المواطنين منذ الصباح الباكر، وإقفال صندوق تعاضد القضاة وصندوق المالية، فتوقفت جميع الخدمات داخل قصر العدل، بسبب عدم القدرة على تيسير أمور المواطنين من دون استخدام الحواسيب.

في مشهد سوريالي ألحق مهانة إضافية بالدولة اللبنانية والمنظومة الحاكمة من دون استثناء، كان كفيلاً اليوم بتجسيد هذا البلد المنكوب، توزع المواطنون في أروقة قصر العدل حاملين المناديل الورقية ومجموعة من الأوراق استخدموها للتهوئة، ووسط حالة من الغضب والسخط على ما آلت إليه الأمور داخل القضاء اللبناني، ثم خرجوا من المدخل الرئيسي راجين أن يتمكنوا من تنفيذ معاملاتهم يوم غد.

ما حصل اليوم، هو دليل واضح على انهيار ما تبقى من الدولة اللبنانية. ويدل على تداعيات الأزمة الاقتصادية التي أرخت أثقالها على قصور العدل، التي ما زالت تلفظ أنفاسها الأخيرة، بعدما باتت عاجزة عن دفع تكلفة صيانة لا تتخطى الـ200 دولار أميركي.