العقوبات مُنتَظَرَة من واشنطن وأوروبا فهل تُفرَض من جهة ثالثة ومن هي؟!

صحيحٌ أن ما سنقوله، ليس شعبياً، إلا أن الحقيقة تفرض الإشارة الى واقع أن الشّعب الجائع والمقهور والطامح الى تغيير جذري، والساعي إليه، "ما بيعيّد"، وذلك تماماً كما أن من ينشد بداية جديدة في حياته، في بلاد جديدة مثلاً، يترك ماضيه بكلّ ما فيه، ودون أن ينظر الى الوراء ربما.

لا "نستكثر" الأوقات الحلوة على الناس، ولا فسحات الأمل والسعادة، ولكن شرط أن لا تؤثّر على العزيمة، وعلى القرار بإحداث تغيير حقيقي في وطن ظروفه إستثنائية، وتتطلّب شعباً إستثنائياً، يخرجه من الفساد المتجذّر، ومن التخاوي مع أدناس الظّلم فيه، وفق قواعد جديدة، هي عَدَم ترك القديم على قدمه.

"حراتيق"

فعلى سبيل المثال، كيف يُمكن لشارع مُنتَفِض، تطالب مكوّناته بالتغيير، وتصرخ في وجه المسؤولين والحكام والزعماء، من أمام عَدَسات الكاميرات، بأن "فقّرتونا"، و"جوّعتونا"، و"موّتّونا"، فيما نجد تلك المكوّنات الشعبيّة نفسها تنتقل من الطُّرُق لتُصبح مادّة تعجّ بها الأسواق، وبكلّ فئاتها وشرائحها الإجتماعية، وعلى اختلاف قدراتها الشرائية؟

فليس صحيحاً ما يُقال في بعض الأحيان، عن أن حَرَكة الأسواق "بلا بركة"، أو عن أنها زحمة لا أكثر، إذ إن حركة البَيْع والشّراء "ماشيي"، في عزّ الأزمة المعيشية، وحتى في أكثر المحال التي تبيع "الحراتيق"، وهي تلك البضائع التي تزداد أسعارها بحسب التلاعُب بسعر صرف الدولار، وذلك دون أن تكون من الضّرورات.

كيف يُمكن؟

عيّدوا، وهذا ليس كثيراً على شعب تحت سطوة اليأس. ولكن لمَ لا تحاولون إيجاد أُطُر أكثر تقشُّفاً لذلك، وأكثر انسجاماً مع الأوضاع غير الإعتيادية التي يرزح تحتها لبنان؟

وماذا عن ضرورة التحلّي بالمصداقيّة، أمام المسؤولين المحليّين، وحتى أمام الدوليّين منهم؟ فالفئة الأولى "تتشاكى" و"تتباكى" على أوضاع الشعب اللبناني الصّعبة، فيما الثانية تراقب وتطالب وتدعو.

فللمصداقيّة، على الأقلّ، لا بدّ من السؤال عن أنه كيف يُمكن لشعب مقهور، أن ينجح في الضّغط على حكامه من أجل وقف الجوع والفقر، إذا كان الناس يتقاتلون على ركن السيارات أمام المتاجر والمحال التي تبيع الكماليات، وذلك كما يتقاتلون على أكياس وعلب المواد الغذائية الضّرورية، في السوبرماركت؟

"اغتصب"؟

وكيف يُمكن لشعب جائع، أن يضغط على حكامه لدفعهم نحو تغيير سلوكهم السياسي، إذا كانت الهواتف الخلوية "بتفوّل" في أوقات الرّخاء، الى درجة أنها تلامس "التفحيم"، بسبب توثيق الأوقات الحلوة، التي غالباً ما تتطلّب إنفاقاً لا يتناسب مع الوضع المعيشي الصّعب، كما يُفتَرَض؟

وكيف يُمكن انتقاد المسؤول هذا أو ذاك، الذي "اغتصب" حياة اللبنانيين، بتدمير اقتصاد بلدهم، فيما الشّعب نفسه لا يُقاوِم هذا الوضع، بالطريقة اللازمة.

"وجع ساعة"

فبدلاً من انتظار عقوبات أجنبيّة على مسؤولين لبنانيين، لمَ لا يُبادِر الشعب اللبناني الى فرض عقوباته على مسؤوليه، في شكل يُعطي حركة الشارع مصداقيّة، وانطلاقة من نوع آخر.

والعقوبات الفعّالة تلك قد تقوم على مقاطعة الأسواق والمحال، وعَدَم شراء شيء منها، خصوصاً أن عدداً لا بأس منها يتبع لمكوّنات تنتمي، أو محسوبة على "المنظومة السياسية"، المتّهمَة بالفساد. ونقول ذلك، بعيداً من أي نقمة، بل كوسيلة ضغط، قوامها تقليص الحركة الإقتصادية في البلد، على مستوى الكماليات على الأقلّ. فقد يُساهم ذلك بتسريع حلّ الأزمة اللبنانية، إذ لا شيء يؤلِم مكوّنات المنظومة السياسية تلك، إلا جيوبها. وفي النّهاية، "وجَع ساعة ولا كلّ ساعة".

"لبنان الجديد"

عفواً، ولكن التغيير يحتاج الى شعب تغييري، ومُتغيِّر، شكلاً ومضموناً. وكما أنه لا يُمكن النّزول الى أرض معركة، بثياب الصّالونات، وبرائحة العطور الفاخرة والثّمينة، كذلك بالنّسبة الى التحلّي بالمصداقيّة "الثورية" السّلمية.

ففي الإنتفاضات السلمية، تزداد الحاجة الى مزيد من السلوكيات الصّادقة، وذات المصداقية الدّقيقة، بما يجعل السلطات تتعامل مع الوقائع المرسومة في الشارع، بجديّة، وبما يفوق ما ترسمه إراقة الدّماء.

قاوموا. فهذه هي المقاومة المطلوبة. وقاتِلوا مخزونكم العتيق، فهذا هو القتال الذي يسرّع الوصول الى إنسان لبناني جديد، والى "لبنان الجديد"، معه.