"العلاج الخارق"... هل مهد كوفيد طريق الانتصار على السرطان؟

هل من الممكن أن تنتصر البشرية يوما ما في معركتها الطويلة ضد مرض السرطان؟ لم يعد هذا الحلم مستحيلا، خاصة بعد الحديث عن "لقاح منتظر سيُطرح في الأسواق خلال أعوام قليلة لمكافحة مرض السرطان".

أحدث الكشف عن اللقاح ضجة في الأوساط العلمية، ووصفه أطباء علاج الأورام بـ"سابقة علمية" تقدم بارقة آمل لملايين المصابين بالمرض الخبيث حول العالم.

واللقاح، الذي تم اختباره حتى الآن كعلاج لسرطان الجلد، طورته شركة "مودرنا" بالتعاون مع شركتي "فايزر" الأميركية و"بيونتيك" الألمانية، ويستخدم نفس تقنية mRNA التي تم الاعتماد عليها في إنتاج لقاح ضد فيروس كورونا المستجد.

وأشارت نتائج التجربة الأولية، التي صدرت في ديسمبر الماضي، إلى أن هذا اللقاح يقلل من خطر عودة سرطان الجلد بعد الجراحة إلى النصف تقريبا.

وأطلقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) الأسبوع الجاري، على اللقاح لقب "علاج خارق" للوقاية من سرطان الجلد، ما يعني أنه يمكن الموافقة عليه في غضون أشهر، وسيسمح ذلك بتعجيل تجربة المرحلة النهائية، وبذلك يقترب اللقاح خطوة واحدة من الواقع، وفقا لصحيفة "التايمز" البريطانية.

وتحدث هذه الخطوة عندما تظهر العلاجات التجريبية مؤشرات على أنها أكثر فعالية بشكل ملحوظ من الأدوية الموجودة.

ويعد مرض السرطان "أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم"، وقد أزهق أرواح 10 ملايين شخص تقريبا في عام 2020، أو ما يعادل وفاة واحدة تقريبا من كل 6 وفيات، وفقا لـ"منظمة الصحة العالمية".

وفي عام 2021، تم تشخيص ما يُقدر بنحو 20 مليون شخص مصاب بالسرطان، فيما توفي 10 ملايين شخص بسببه، بحسب "بيانات منظمة الصحة العالمية للعام 2021".

كيفية يعمل اللقاح؟

يعتمد اللقاح على تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) ، وهو عبارة عن جزيء ينقل الشفرة الجينية من الحمض النووي إلى الخلية لتنتج بروتينات، وفقا لوكالة "رويترز".

وتعتمد اللقاحات التقليدية على مبدأ الفيروسات المعطلة. وتدرب هذه اللقاحات الجسم للتعرف على "المستضدات"، وهي بروتينات ينتجها الفيروس، ومن شأن ذلك أن يفعّل استجابة جهاز المناعة عند مواجهة الفيروس فعليا.

أما لقاحات الحمض النووي الريبوزي "المرسال"، فتنقل تعليمات جينية لإنتاج هذه المستضدات مباشرة في الخلايا، ويتحول جسم الإنسان إلى مقر لإنتاج اللقاحات.

ما نتائج التجارب حتى الآن؟

اللافت أن نتائج التجارب على لقاحي "فايزر" و"موديرنا" فاقت التوقعات بكثير، فالحد الأدنى من الفعالية المطلوبة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية (أف دي أيه) هو 50 في المئة، في حين أثبت اللقاحان فعالية وصلت إلى أكثر من 90 في المئة، بحسب "رويترز".

وقالت كبيرة المسؤولين الطبيين والمؤسسة المشاركة للشركة الألمانية "بيونتيك"، أوزليم تورسي، في تصريحات لصحيفة "دير شبيغل" الألمانية، نقلتها "رويترز"، في ١٩ فبراير، إنه يمكن اتباع نفس النهج لتهيئة الجهاز المناعي للبحث عن الخلايا السرطانية وتدميرها.

وكانت الشركة تجري أبحاثا على لقاحات ضد السرطان بواسطة تقنية "الرنا المرسال" قبل انتشار الجائحة. لكن الشركة ركزت على إنتاج لقاحات ضد كوفيد في مواجهة حالة الطوارئ العالمية.

ولدى الشركة الآن العديد من اللقاحات ضد السرطان في طور التجارب السريرية. وقالت تورسي في تصريحاتها السابقة إن تطوير ونجاح لقاح بيونتيك/فايزر "يعيد عملنا في مجال السرطان".

متى سيخرج اللقاح في الأسواق؟

توقع المؤسس المشارك للشركة الألمانية "بيونتيك"، أوغور شاهين، أن تبدأ التجارب على لقاح ضد السرطان هذا العام في بريطانيا، وفقا لـ"رويترز".

 

وقال العالم البارز، وهو مؤسس الشركة مع زوجته، تورسي، إن الشركة تدرس حاليا أنواع السرطان التي سيتم اختبارها والمواقع التي ستجري فيها التجارب.

وشارك الزوجان "شاهين" وتورسي" في تأسيس شركة التكنولوجيا الحيوية الألمانية "بيونتيك" التي تحالفت مع "فايزر" الأميركية لإنتاج لقاح ضد كوفيد-19، يعتبر حتى الآن من أنجح اللقاحات ضد المرض.

وأوضحت "رويترز" أن التقدم في مجال البحث عن لقاح للسرطان بعد تجربة لقاح "كوفيد" يمثل "خطوة مهمة نحو البيع المحتمل للقاح في السوق المفتوحة".

وأضاف "شاهين": "نعتقد أن هذا (إنتاج لقاح للسرطان) يجب أن يكون ممكنا لعدد كبير من المرضى قبل عام 2030".

وقال إن التكنولوجيا الخاصة بهذا النوع من العلاج قد قطعت شوطا طويلا، مضيفا: "في عام 2014، كنا بحاجة إلى 3-6 أشهر لإنشاء لقاح فردي للسرطان، والآن نحتاج إلى 4-6 أسابيع. هدفنا هو الحصول عليه بشكل ملحوظ في أقل من 4 أسابيع".

وكان الزوجان قد تحدثا، في أكتوبر الماضي، عن إمكانية إتاحة "لقاح السرطان قبل عام 2030".

هل اللقاح مناسب لكافة الأورام السرطانية؟

يشير أطباء متخصصون في أمراض السرطان تحدثت معهم صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، إلى أن من الممكن استخدام اللقاح في مواجهة جميع أنواع السرطان التي يتم التدخل بها جراحيا، خاصة أن بعض الأورام التي لا يمكن التدخل لاستئصالها عبر الجراحة مثل سرطان الدم "لوكيميا".

وأوضحت مديرة مركز السرطان في جامعة جورج واشنطن، جولي بومان، أن اللقاحات الجديدة مصممة خصيصًا لاستهداف الورم عند كل فرد، موضحة: "يتم الحصول على أنسجة الورم وتسلسلها، وبعد ذلك على مدى ستة أسابيع يجري صنع لقاح يطابق أفضل 10 إلى 20 طفرة".

وأضافت بومان إن اللقاح يحفز جهاز المناعة لدى الشخص لاستهداف هذه الخلايا السرطانية بشكل انتقائي. ولذلك سيكون اللقاح مناسبا لمكافحة كافة الأورام السرطانية باستثناء تلك المتعلقة بسرطان الدم.

وفي حالة عدم التمكن من استئصال الورم وعدم القدرة على التدخل جراحيا، فقد يتم مستقبلا تطوير اللقاح وأخذ عينة من نسيج السرطان ومعالجتها بتقنية mRNA، ثم إعادة حقن المادة المعالجة بالمريض ذاته لمهاجمة بقايا الورم نفسه وأي خلايا سرطانية في مناطق أخرى بجسم الإنسان.