الفاتيكان غير راضٍ على الأداء الداخلي أمام تفاقم الأزمة

لا يفوت موضوع الانتخابات الرئاسية المعطلة أي مسؤول عربي أو غربي كلما التقى لبنانيا وسط التوقف عند حالة من الذهول أمام مشهد عدم تمكن الكتل النيابية من انتخاب رئيس للجمهورية وإضاعة كل هذا الوقت على مستقبل اللبنانيين حيث يستمرون في خلافاتهم المفتوحة على حساب استمرار المؤسسات.

وفي دلالة على هذه الصورة القاتمة، يقول سفير عربي ناشط وهو على تماس مع مختلف الافرقاء السياسيين والروحيين انه لم يلمس عند اكثريتهم انهم يعملون بجدية على انتخاب الرئيس ما عدا البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي يطلق العظات والمواقف اليومية والاسبوعية من دون ان تؤدي صرخاته وتحذيراته الى تحقيق المطلوب ورؤية رئيس الجمهورية المنتظر. واذا كانت كل القوى السياسية والنيابية تتحمل مسؤولية هذا الشغور المفتوح، فان المسيحيين يتحملون أيضا تبعة التأخير في انتخاب الرئيس من دون اعفاء الآخرين من هذا الواجب الدستوري.

هذا الكلام لا يتردد في بيروت فحسب بل يُطلق في الدوائر الديبلوماسية الضيقة في اكثر من دولة متابعة ومنها الفاتيكان التي لا تتعاطى مع لبنان إلا من باب دعم انتظام سيرورة يوميات مواطنيه على عكس بلدان اخرى لا تقدِم على اي خيارات في هذا البلد إلا من باب مصالحها وحساباتها اولا. ولا يخفي مسؤول كبير في الفاتيكان قلق رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم من تدهور الاوضاع في لبنان، ويضمّن كلامه نقدا شديدا لاركان القوى السياسية اللبنانية ومنهم القوى المسيحية إذ يقول انهم "لا يصغون الينا".

وما يقصده هنا هو من الزاوية السياسية وليس الدينية على اساس ان ما يقدِمون عليه في ظل انقسامات القوى الداخلية ينعكس سلبا على "دور لبنان"، وان هذه المهمة يجب ان تدخل في صميم اولويات كل اللبنانيين، وما يمارسه المسيحيون واستمرارهم في خلافاتهم، بحسب المسؤول الرفيع المستوى في الفاتيكان، يؤثر سلبا على كل الوجود المسيحي في بلدان الشرق.

ورغم هذه الصورة يقول المسؤول الفاتيكاني ان دولته لن تترك لبنان وستستمر في الوقوف الى جانب اهله من مسيحيين ومسلمين وضرورة ان يتحملوا مسؤولياتهم الوطنية معا، وان هذا الاهتمام ينبع من جملة عوامل تاريخية حيال لبنان، وان الفاتيكان يدعم كل مسعى محلي او خارجي اذا كان يؤدي الى اتمام استحقاق الرئاسة الاولى. في هذا الوقت تتجه الانظار الى ما تقوم به بكركي من محاولات لرأب الصدع بين الافرقاء في لبنان حيث يسيطر موضوع الجنوب وتطوراته الامنية على المشهد وتتقدم احداثه على ملف انتخابات الرئاسة وسط انتظار ما سينتهي اليه العدوان الاسرائيلي على غزة والمواجهات الدائرة في الجنوب. ولا يغيب هذا الموضوع عن متابعات البطريرك الراعي.

ويقول سياسيون على تواصل مع بكركي وهم من مجموعة قليلة من خارج فلك الاحزاب والكتل النيابية ان الراعي لا يقلل من تضحيات ابناء الجنوب ولا ما يقدمه "حزب الله" في هذا الخصوص، لكن الكنيسة المارونية تعتبر ان مشروعه وارتباطاته تتجاوز مساحة لبنان حيث يحمل قادته مشروعا اكبر من قدرات كل اللبنانيين بغضّ النظر الى اي طائفة انتموا لان مصيرهم واحد، وان بكركي تصر دائما على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد، وتشدد في الوقت نفسه على التمسك باتفاق الطائف وعدم التوجه الى احداث تبدلات في النظام السياسي القائم خشية الوقوع في ازمات اكبر، وان مبادرات الراعي في النهاية لن تحيد عن ضرورة عامل الجمع بين اللبنانيين، واي دعوات لمشاريع الفيديرالية وغيرها مثل الدخول في مؤتمر تأسيسي لن تحقق الاصلاحات المنتظرة لا على مستوى المسيحيين ولا غيرهم.

أما المناداة بتطبيق اللامركزية الادارية الموسعة فتحتاج الى دولة مركزية قوية ويبقى المطلب الاهم انتخاب رئيس للبلاد.

في اختصار، يقول البطريرك انه لا يحبذ دخول اي جهة في البلد في اي مغامرات جديدة. واذا كانت لديه انتقادات على اداء "حزب الله" في الجنوب وفتح جبهته وربطها بغزة، فانه لا يقلل من حجم التنازع في البيت المسيحي.

وبعد الكلام الذي يحمل طابع النقد وتقديم المشورة من الفاتيكان، الى قلق بكركي من حالة المشهد اللبناني العام غير المطمئن، يجري الحديث في الكواليس عن امكان توجه الراعي الى القيام بمبادرة بغية رأب الصدع الداخلي، اذ لا يمكن لبكركي وما تمثله على الصعيد الوطني التفرج على كل الانهيارات وعلى اطلال مؤسسات وطن اذا استمر الافرقاء على هذا المنوال من التعنت وسياسة العناد التي تكبل الجميع.