المصدر: نداء الوطن
الكاتب: طارق أبو زينب
الجمعة 28 تشرين الثاني 2025 06:45:01
تشهد الساحة الدولية تحولات متسارعة في تعاملها مع تنظيم الإخوان المسلمين، بعد أن خلصت واشنطن إلى أن الجماعة لم تعد حركة سياسية تقليدية، بل شبكة عابرة للحدود ذات امتدادات أيديولوجية وأمنية تؤثر مباشرة على الاستقرار الإقليمي والمصالح الأميركية. ويأتي هذا التحول نتيجة تراكم تقارير استخباراتية غربية تربط بعض أجنحة التنظيم بحركات مسلحة في المنطقة، خصوصًا بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، الذي أعاد فتح ملف الجماعة وإعادة تقييم تهديداتها المحتملة .
أصبح لبنان محورًا رئيسيًا للتصعيد الأميركي، وسط ترقب المجتمع السياسي والاجتماعي لتداعيات القرار على الأحزاب الإسلامية المحلية، وما إذا كان سيعيد رسم موازين القوى داخل البيئة السنية، خصوصًا في المناطق التي تشهد تنافسًا سياسيًا ودعويًا.
القرار التنفيذي الأميركي وإجراءاته العقابية
وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بتصنيف فروع التنظيم في لبنان ومصر والأردن كـ "منظمات إرهابية أجنبية"، مع فرض قيود قضائية وأمنية تشمل: تجميد الأصول، منع التمويل، وفرض عقوبات على الأفراد والكيانات التابعة للجماعة. وترى الإدارة الأميركية أن الإخوان لم يعودوا كيانًا سياسيًا تقليديًا، بل جزءًا من شبكة عالمية توظف الدين في الصراعات الإقليمية وتؤثر على التحالفات المحلية والدولية .
خلفية القرار ومبرراته
يشير البيت الأبيض إلى أن هذه الشبكة تغذي الإرهاب وتناهض مصالح وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وتؤكد مصادر أميركية أن التنظيم مرتبط بأجنحة قتالية شاركت في عمليات ضد القوات الإسرائيلية، ضمن تنسيق مع حركة "حماس" و"حزب الله" وفصائل فلسطينية أخرى، ما يمنح واشنطن مبررًا أقوى لاتخاذ إجراءات مشددة تجاه بعض الفروع الإقليمية للتنظيم. ويرى مراقبون أن القرار يمثل تحولًا نوعيًا في طريقة تعامل الإدارة الأميركية مع الإسلام السياسي المسلح، وقد يمهّد لخطوات إضافية تستهدف البنية التنظيمية وشبكات الدعم في المنطقة.
الإجراءات الأميركية العاجلة
أكدت مصادر دبلوماسية أميركية لصحيفة "نداء الوطن" أن فروع جماعة الإخوان في لبنان ومصر والأردن تُعد جزءًا من منظومة تهدد الاستقرار الإقليمي وتشكل خطرًا مباشرًا على الأمن الأميركي وحلفائه. وينص الأمر التنفيذي على إعداد تقرير مشترك بين وزارتي الخارجية والخزانة لتحديد الفروع المستهدفة، مع منح الوزارتين فترة 45 يومًا بعد توقيع الرئيس لاتخاذ الإجراءات اللازمة، التي تشمل إدراجها رسميًا على قوائم الإرهاب وتجميد أصولها داخل الولايات المتحدة.
كما تتابع واشنطن في لبنان أحزابًا إسلامية تتقاطع عقيدتها مع فكر الإخوان، ما يضع هذه الأحزاب تحت مراقبة دقيقة في إطار جهود الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
تصعيد مرتبط بالحراك الإسلامي
أكدت مصادر لبنانية مطّلعة وخبيرة في شؤون الحركات الإسلامية، أن القرار الأميركي جاء نتيجة تنامي النشاط والحراك الإسلامي السلمي في الولايات المتحدة وأوروبا وعدد من الدول العربية، بما في ذلك لبنان، على وقع أحداث غزة وتداعياتها. ومن المتوقع أن يترك القرار أثرًا مباشرًا على الأحزاب والمنظمات المرتبطة بالفكر الإخواني، بما قد يؤدي إلى إعادة رسم خريطة النفوذ السياسي بصورة أوضح وأكثر حسمًا.
رغم تعدد التفسيرات واختلاف القراءات، تؤكد المصادر أن المسار الأميركي لا يزال مفتوحًا على كل الاحتمالات، ما يجعل من الصعب حتى الآن تحديد القوى أو التيارات الإسلامية اللبنانية التي قد يشملها التصنيف عند صدوره رسميًا.
في المقابل، تظهر الجماعة الإسلامية في لبنان كمؤسسة مستقلة تمامًا عن التنظيم الدولي للإخوان، تمارس نشاطها السياسي والدعوي والاجتماعي ضمن إطار قانوني واضح ومعترف به، ولها تمثيل برلماني شرعي، بعيدًا عن أي تبعية خارجية أو ارتباط تنظيمي، ما يعكس دورها المحلي المستقل وقدرتها على الحفاظ على توازناتها في المشهد السياسي اللبناني .
ويُذكر أن الجماعة الإسلامية، تاريخيًا، لعبت دورًا محوريًا في الساحة السنية اللبنانية، خاصة منذ الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، حيث شاركت في الدفاع عن صيدا وبيروت والجنوب وقدّمت شهداء في صفوفها، الأمر الذي منحها رصيدًا شعبيًا واسعًا داخل البيئة السنية التي تنظر إليها باعتبارها قوة ثابتة الخطاب ومتوازنة، نجحت في الحفاظ على حضور سياسي واجتماعي من دون انخراط في النزاعات الاأهلية .
تداعيات القرار على المشهد السياسي اللبناني
يرى مراقبون أن القرار الأميركي يمنح خصوم الجماعة الإسلامية ورقة ضغط سياسية إضافية، لكنه لم ينجح في الحدّ من حضورها الشعبي والدعوي، حتى في مناطق التنافس السني. وقد يؤدي القرار إلى خلق انقسامات داخل الساحة الإسلامية، بين من يدعو للتكيّف مع الضغوط الدولية وإعادة صياغة الخطاب، وبين من يعتبره جزءًا من حملة تهدف لتقليص نفوذ الأحزاب الإسلامية .
وفي الوقت نفسه، تحذر المصادر من أن السلطات اللبنانية قد تواجه ضغوطًا للتكيّف مع أي قرار أميركي محتمل، ما قد يستدعي مراجعات قانونية وتنظيمية للنشاط السياسي الإسلامي وإعادة تحديد أدوار الأحزاب، لتفادي أي انعكاسات مباشرة على المشهد الداخلي .
بينما يترقب الشارع السني بدء سريان القرار الأميركي التنفيذي، يخوض لبنان اليوم مرحلة دقيقة من التوازنات الإقليمية والسياسية. ويظل المشهد السياسي اللبناني مفتوحًا على سيناريوات معقدة قد ترسم ملامح المرحلة المقبلة في لبنان والمنطقة، في ظل متابعة دولية دقيقة لتطورات ملف جماعة الإخوان والجهات التي سيطولها التصنيف.