"القلق المناخي".. ما هو؟ وما آثاره الاقتصادية؟

أسهم COP28 بما شهده من اتفاقات ونتائج إيجابية في أسبوعه الأول، لا سيما فيما يتعلق بالتعهدات المالية الجديدة، في منح كثير من الآمال من أجل المضي قدماً على صعيد مسارات مواجهة التغيرات المناخية.

فرض تغير المناخ نفسه ليصبح محور اهتمام العالم على طاولات النقاش المختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحتى صحيا، ومن بين هذه القضايا، التي ظهرت بفعل التغير المناخي يبرز مفهوم "القلق المناخي"، الناشئ عن الوعي بتأثيرات التغيرات المناخية المحتملة على حياتنا ومستقبلنا.

القلق المناخي يمكن أن يشمل مخاوف حول الظواهر المناخية المتطرفة مثل الأعاصير والفيضانات والجفاف، وكذلك تأثيراته طويلة الأجل كارتفاع مستوى البحر ودرجة حرارة الأرض وتغير الأنظمة البيئية التي يتم تدميرها بسبب تغير المناخ.

وبدورها تؤثر تلك المخاوف على صحة الناس النفسية نتيجة القلق على مستقبلهم واستقرارهم ورفاههم بفعل زيادة مخاطر تغير المناخ. ومع ذلك، فإن القلق المناخي يعتبر رد فعل طبيعيا وصحيا على الأزمة المناخية التي نواجهها، لكنه يحتاج إلى التعامل معه بطرق إيجابية وفعالة.

إذ يمكن أن يكون القلق المناخي أيضًا محفزًا للتغيير الإيجابي، إذا نجحنا في توجيهه نحو العمل البناء والتعاون والابتكار لمواجهة التحديات المناخية والاجتماعية.

كذلك فإن تنامي "القلق المناخي" ينعكس بدوره على الاقتصادات بشكل أو بآخر، على سبيل المثال:

تقليل الإنتاجية والابتكار والنمو الاقتصادي بسبب الضغوط النفسية والجسدية والانخفاض في الدافعية والثقة.

زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية لمعالجة الآثار الصحية والنفسية للقلق المناخي.

تعطيل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية بسبب الظروف البيئية القاسية والمتغيرة، مثل الجفاف والفيضانات والحرائق والأمراض.

تغيير السلوك الاستهلاكي والاستثماري والتوزيعي للأفراد والشركات والحكومات بسبب القلق المناخي أو السياسات الرامية إلى التخفيف منه أو التكيف معه.

ومن شأن الزخم الحادث حول المناخ والنجاحات التي يحققها العمل المناخي تهدئة روع "القلق المناخي" لدى الكثيرين، وسط الآمال التي يعكسها تلك التقدمات والمشاريع والمبادرات في سياق المناخ، وفي ضوء تضافر العالم من أجله.

قلق دائم

في هذا الجانب، يوضح استشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن هناك نمط شخصيات يسمى "الشخصية الوسواسية"، وهؤلاء دائما قلقون، وخاصة عند التغيرات سواء تغيرات مناخية أو مادية أي تغير عنده يصنع له مشكلة فهو شخص لا يقبل التغيير.

ويضيف بأن هذه الشخصية عندما يكون هناك حدث له اهتمام سواء عاصفة أو ارتفاع في درجات الحرارة أو حرائق منتشرة يبدأ في أن يضع نفسه في وضع المتأثرين بهذا الحدث.

ويردف: هنا تكمن المشكلة؛ لأن قلقه يبدأ في الزيادة؛ ما يرفع له نسبة الأدرينالين ويسبب له أعراضا مثل الصداع أو الزغللة أو جفاف الريق أو زيادة في معدل ضربات القلب، كذلك المعدة تتأثر بحالته النفسية؛ فيبدأ يشعر بتعب في القولون وآلام في عضلات الظهر والرقبة إجهاد عام، وأيضًا اضطرابات في النوم.

ويلفت إلى أن هذا يحدث مع أي تغيرات لأنها شخصية لا تقبل التغيير، وبالتالي عند حدوث أي تغيرات يكون هؤلاء الأشخاص هم أكثر المراقبين لها؛ فيبدأ الشخص الوسواس في البحث عنها على محركاتا لبحث ويضع نفسه في قلب الحدث. والحقيقة أنه بعيد تمام، وهذا نسميه "الشخصية العصبية الوسواسية".

وحول ما تشير إليه الدراسات من أن النساء أكثر تأثرًا بالقلق المناخي من الرجال وطبقا للدراسات، يذكر أن أكثر المتأثرين بمثل هذه الأخبار خاصة التي تخص المناخ والكوارث الطبيعية من النساء؛ نتيجة تغير الهرمونات لديهن والتغيرات الشهرية التي تزيد من الخوف والوسوسة.

وفي توصيفه للطرق الفعالة لمواجهة هذا القلق المناخي، يبين أن ذلك حسب شدة الحالة فإذا كانت الحالة متوسطة يكفي بعض جلسات التأمل (Meditation)، ولكن إذا وصل الوضع لسيطرة هذا الوسواس على الشخصية؛ بمعنى أنه بدأ يتخوف من الخروج وتحدث مشاكل بين هذه الشخصية وشريكها في الحياة أو زملاء العمل؛ فهنا يصبح التدخل العلاجي والدوائي ضروريًا، موكدًا أن العلاج الدوائي فعال مع ما يقارب 80%، والباقي يستخدم مع العلاج الدوائي جلسات (DMS).

 

تغير المناخ والصحة العقلية

في العام 2022، أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقريرًا عن تأثيرات تغير المناخ على الصحة العقلية لأول مرة.

وتتضمن الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف (COP28)، الذي يقام في مدينة إكسبو دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة من 30 تشرين الثاني إلى 12 كانون الأول 2023، العديد من المناقشات حول الصحة العقلية.

يدشن المؤتمر حقبة جديدة من الوعي المناخي، وفي هذا السياق تعد المناقشات التي يشهدها والمبادرات المختلفة -لا سيما فيما يتعلق بالجوانب الصحية- أمراً مهماً في هذا السياق.

الإنسان والبيئة

بدوره، يوضّح استشاري الصحة النفسية الدكتور وليد هندي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن علم النفس المناخي هو فرع من علم النفس البيئي، الذي يدرس العلاقة بين الإنسان والبيئة وكيف يؤثر ذلك على سلوكه ومشاعره وصحته.

ويحذّر من أن التغيرات المفاجئة للمناخ والظواهر المناخية المتطرفة، وآثارها الكارثية، تتسبب في اضطرابات قلق تؤثر على الحالة النفسية للإنسان وشعوره بالأمان، وتصيبه بخوف يعرف بالقلق المناخي، الذي يجعله يشعر بالقلق والاكتئاب والعصبية وربما اليأس من المستقبل، وفقد الأمل والهدف في الحياة. 

ويلفت هندي، إلى أن هذا استدعى علماء النفس لاستحداث ما يعرف ب"«علم النفس المناخي" بهدف فهم آثار التغيرات التي تطرأ في الحالة النفسية للإنسان نتيجة التغير المناخي، ولا سيما أن التغير المناخي المفاجئ يمكن أن يطال الحالة النفسية لدى أغلب سكان الكرة الأرضية.

ويذكر الاستشاري النفسي، أن هناك أشكالًا مختلفة تنتج عن التأثيرات النفسية جراء التغير المناخي مثل الإصابة بالإجهاد والأرق الناجمين عن ظروف الطقس، مرورا بزيادة معدلات العنف وضعف الوظائف الإدراكية، وصولا إلى الانتحار الذي ارتفعت معدلاته في عدد من بلدان العالم؛ نتيجة زيادة القلق والاكتئاب الحاد.

مجموعة من الأمراض

ويشير إلى أن تغير المناخ في العموم أدى إلى حدوث مجموعة من الأمراض والاضطرابات النفسية لدى الإنسان، حيث يزداد التردد على العيادات النفسية مع ارتفاع درجات الحرارة خلال الصيف 10 بالمئة أكثر من الطبيعي؛ بسبب تغيرات في الهرمونات بالارتفاع الشديد لدرجات الحرارة؛ ما يصيب البعض بالقلق والكآبة والغضب البيئي والشعور بالخوف والتأزم النفسي.

ويؤكد أن العنصر النسائي هو الأكثر عرضة لهذه المشاعر السلبية، وكذلك المتأثرين بتذبذب الدخل الاقتصادي لديهم بالتغيرات المناخية مثل المزارعين والعاملين في مجال السياحة، أيضًا المسنين وذوي الهمم والحوامل والمهاجرين والمشردين وغريبي الأطوار وسريعي الغضب.. كل هؤلاء هم عرضة للتأثر النفسي بالتغيرات المناخية التي تسبب العديد من الأمراض كمتلازمة الإجهاد ومتلازمة العدوانية والعصبية لدى التغير المناخي.

ويكشف عن أن هناك نوع من الجرائم يسمي "جرائم التغيرات المناخية"، فعلى سبيل المثال شهر كانون الثاني هو الأعلى في معدل جرائم الابتزاز الإلكتروني، والجرائم الجنسية تزداد في الربيع، والانتحار يرتفع نسبته في الصيف، وجرائم العدوان والضرب والإتلاف العمدي؛ الأمر الذي يعطينا مؤشرا أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد من التوتر والعصبية والغضب.

كما يكشف عن أن معدل الانتحار زاد في أعقاب إعصار كاترينا في 2005 بنسبة 300 بالمئة، فمع حدوث الأعاصير والكوارث الطبيعية نجد أن الإنسان قد يصاب بالحزن الإيكولوجي وهو استجابة طبيعية للفقدان البيئي.