الكازينو يستجيب... والعلية : لن أعدّل القانون باجتهاد منّي مهما شتموا وضلّلوا

هل صحيح أن هيئة الشراء العام دخلت في اللعبة السياسية، فبدأت تحابي شركات أو جهات رسميّة على حساب أخرى؟ يتبادر هذا السؤال إلى الذهن على خلفية ما حصل هذا الأسبوع من سجالات وحملات عنيفة على الهيئة بعدما أبرم كازينو لبنان عقداً مع شركات تتعاطى إدارة ألعاب الميسر "أونلاين"، اعتبرته هيئة الشراء العام غير قانوني لأنه لم يعرض عليها.

 

في المقابل، أصرّت إدارة الكازينو على أن العقد وُقِّع قبل إقرار مجلس النواب قانون "الشراء العام"، وتالياً لا تسري عليه إلزامية المرور بالهيئة، وهو ما استدعى تدخلاً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي طالباً من وزير المال يوسف الخليل الإيعاز لوقف تلزيم ألعاب الميسر أونلاين في كازينو لبنان. وكان لشركة طيران الشرق الأوسط حصة من السجال بعدما اُعتبر وضعها مشابهاً لوضع الكازينو، وتالياً اشترط البعض خضوع كازينو لبنان لأحكام قانون "الهيئة" وخضوع شركة طيران الشرق الأوسط له، فحسم رئيس هيئة الشراء العام الدكتور جان العلية الأمر بإعلانه أن "الميدل إيست" غير خاضعة لأحكام قانون الشراء العام، وأصرّ على أن الكازينو يخضع لأحكامها.

 

وفيما علمت "النهار" من أحد أعضاء مجلس إدارة الكازينو إن ثمّة توجّهاً للإدارة لإعادة النظر بقراراتها حيال عدم خضوعها لأحكام الشراء العام، يصرّ العلية على أن "لا مساومة على تطبيق القانون ولا استخدام للمؤسسات الرقابية في اللعبة السياسية؛ وعلى إدارة كازينو لبنان، التي تملك فيها الدولة حصة، وتعمل في بيئة احتكارية بموجب قانون، وتنطبق عليها معايير الخضوع لقانون الشراء العام (الفقرة الثالثة من المادة الثانية من قانون الشراء العام)، أن تخضع لأحكام هذا القانون؛ فالقوانين وُضعت لتُطبّق ويُعمل بها"، لافتاً إلى أن "شركة كازينو لبنان خاضعة لرقابة وزارة المال، وحصة الدولة من أرباحها هي جزء من إيرادات الموازنة العامة. وهذا الوضع ليس مشابهاً لوضع شركة طيران الشرق الأوسط، فالأخيرة تملك حقاً حصرياً كشركة وطنيّة في مجال النقل الجوي، وذلك بموجب قرار من مجلس الوزراء ولا تملك احتكاراً. فالاحتكار يحتاج إلى قانون عملاً بأحكام المادة 89 من الدستور". ولكن كيف نترجم هذا الكلام في الواقع العمليّ؟ يقول العلية "إذا أردت السفر إلى الخارج، يمكنني السفر عبر شركة طيران الشرق الأوسط أو الأردنية للطيران أو المصرية أو الصينية أو الإيرانية للطيران بأسعار تذاكر مختلفة... ويسأل أين الاحتكار؟ ليستطرد بالقول "هم لا يعرفون الفرق بين الحق الحصريّ والبيئة الاحتكاريّة، وهذه ليست مشكلتي".

 

وإذ دعا إدارة الكازينو إلى الالتزام بالقانون وإرسال كافة المستندات العائدة لمشترياتها إلى هيئة الشراء العام للنشر والتدقيق، معتبراً "أيّ كلام آخر يأتي في سياق تضييع الوقت"، رأى العلية أن إخضاع "الميدل إيست" إلى قانون الشراء العام يكون بالقانون، وبالقانون فقط، مجدّداً قوله إن "المعايير المنصوص عنها حالياً في قانون الشراء العام - الفقرة الثالثة من المادة 2 -لا تنطبق على الشركة، فهي لا تعمل في بيئة احتكارية، وإن كانت الدولة تملك فيها."

 

وكشف العلية لـ"النهار" عن أن تقريراً مفصلاً في مسألة خضوع كلّ من شركة طيران الشرق الأوسط وشركة كازينو لبنان وإدارة حصر التبغ والتنباك لقانون الشراء العام بات جاهزاً، وسيُرسل الثلثاء المقبل إلى المديرية العامة لرئاسة الجمهورية، والأمانة العامة لمجلس النواب، والأمانة العامة لمجلس الوزراء، بالإضافة إلى الهيئات الرقابية، وهو ينطوي على مقاربة هيئة الشراء العام لهذا الموضوع انطلاقاً من الحقّ المُعطى لها في المادة 76 من قانون الشراء العام بتفسير النصوص المتعلّقة بتطبيق هذا القانون. أما الكلمة الفصل فهي لمجلس النواب".

ومن ضمن هذه المقاربة يوضح العلية مثلاً "أن إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي) خاضعة لأحكام قانون الشراء العام لأنّها تملك احتكاراً، وأرباحها تدخل في الموازنة العامة".

ويخلص العلية إلى أن "مجلس النواب هو الوحيد الذي يقرّر ما إذا كانت "الميدل إيست" ستخضع لقانون الشراء العام، وعندها يعدّل النصّ الحالي، كما أنه الوحيد الذي يقرر إعفاء الكازينو من خضوعه لقانون الشراء العام، وباستثنائه من المعايير التي تنطبق عليها أو شطب هذه المعايير، وعندها تخرج شركتا الهاتف الخلوي وجهات شارية أخرى...".

وحسم قائلاً "أنا رئيس هيئة رقابية مؤتمن على تطبيق القانون، وما يقرّره مجلس النواب في هذا الخصوص، ولن أعدل القانون باجتهاد منّي، فهذا أمر لن يحصل مطلقاً مع جان العلية مهما شتموا وضلّلوا وعرّفوا حالهم لمن لم يعرفهم بعد. حان الوقت ليفهموا أن جان العلية ليس من جماعة صناعة اجتهادات غبّ الطلب تستثمر في السياسة. أمّا إذا كانوا يريدون الضغط على جان العلية لاستخدامه في السياسة وطرح معادلة من خارج القانون عنوانها الكازينو مقابل شركة "الميدل إيست"، فهذا أمر لا يحصل في دولة قانون، ويُعبّر عن نظرتهم إلى الدولة والإدارة، وهي باتت معروفة للجميع. وإذا كانوا يعتقدون بأنهم من خلال التهويل والتضليل والشتم يؤثرون على جان العلية، فالحدّ الأدنى لما يمكن أن أقوله إنهم لا يتّعظون من التجارب".

ما يحزّ في نفس العلية أنّ الموضوع اتّخذ بُعداً غير قانوني. ووفق بيان كان أصدره، فإن البعض راح يشترط لخضوع كازينو لبنان لأحكام هذا القانون خضوع شركة طيران الشرق الأوسط له، وفقاً لنهج يرى في الإدارات العامة والمؤسسات والشركات حصصاً ذات ألوان مذهبيّة ومناطقيّة وسياسيّة". فمقاربة هيئة الشراء العام لخضوع كلّ من الكازينو و"طيران الشرق الأوسط" لقانون الشراء العام مقاربةٌ قانونيةٌ، تنطلق حصراً من المعايير التي حدّدها المشرع في الفقرة الثالثة من المادة الثانية من قانون الشراء العام، وسندها القانوني المادة 76 من هذا القانون، التي أوكلت إلى الهيئة تفسير نصوص قانون الشراء العام وكيفية تطبيقها. سيعمل بهذه المقاربة وتتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بالاستناد إليها إلى أن يصدر عن المشرّع نصّ يعاكس مضمونها".

مصادر قانونية مقربة من "الكازينو" أكدت أنّ "ملكيّة مصرف لبنان لأغلب أسهم الشركة (99 في المئة) تجعل من "الميدل إيست" شركة ذات منفعة عامة سنداً إلى المادتين 110 و111 من قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي. وذكرت أن مجلس شورى الدولة كان قد خلص إلى أن شركة طيران الشرق الأوسط هي شركة وطنية ذات منفعة عامة وليست شركة خاصة، كما أن مصرف لبنان، وعبر ممثله القانونيّ، قد أقرّ إقراراً قضائياً بهذا الأمر أيضاً. وقد أشار مجلس شورى الدولة في القرار رقم 262/1998 إلى أن الدولة اللبنانية قد أدلت صراحةً بما حرفيّته: "3- تتمتع شركات النقل الجويّ بصفة وطبيعة المرفق العام الذي يستتبع خضوعها للقواعد النظاميّة التي تعرضها الإدارة العامة."

وأكدت أن القانون ينصّ على أن كازينو لبنان صاحب امتياز بحصر ألعاب الميسر، ولكن "طيران شرق الأوسط" صاحبة امتياز أيضا بحصريّة استعمال الأجواء اللبنانية بحيث يحظر على أي شركة استعمال الأجواء إلا بعد الحصول على ترخيص وموافقة طيران الشرق الأوسط صاحبة الاحتكار. ولكن هذا الأمر نفاه رئيس المطار، مدير الطيران المدني، فادي الحسن الذي أكّد أن مديرية الطيران المدني هي صاحبة الصلاحية بالموافقة على استخدام مطار بيروت، في حين أن "الميدل إيست" لديها حصريّة لكونها شركة نظامية لبنانية. وقال "لم يحصل في العالم أن أعطت شركة طيران محلية لشركة أخرى عالمية الإذن باستخدام أجواء بلادها أو مطاراتها، فتسيير الرحلات النظامية ما بين الدول يخضع لاتفاقيات نقل جويّ بين الدول، مجدّداً تأكيده أن الحصرية لـ"الميدل إيست"، فيما الأجواء مفتوحة لشركات الطيران العالمية بدليل أن أكثر من نحو 40 شركة تحطّ في مطار رفيق الحريري ناقلة الركاب من وإلى بيروت، ومنها شركات منخفضة التكاليف.