المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الجمعة 21 تشرين الثاني 2025 12:52:50
منذ نحو 4 سنوات، ينتظر اللبنانيون اكتمال تفاصيل ملف استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، لتحسين التغذية الكهربائية في البلد الغارق بشبه عتمة شاملة، تخرقها نحو 4 ساعات من التغذية عبر مؤسسة كهرباء لبنان، وتعوِّض المولّدات الخاصة نحو 20 ساعة. لكن الموعودون بالأفضل، أصيبوا بخيبة أمل لكثرة التعقيدات التي جمّدت الملف، والتي توزّعت بذورها بين لبنان وسوريا والولايات المتحدة الأميركية.
على أنّ التغيّرات في المنطقة أعادت الملف إلى الواجهة، وتكلّلت العودة باجتماع عمّان الذي وضع خلاله الملف على طاولة البحث لمعرفة أين أصبحت تفاصيله، ومنها مصير الإصلاحات المطلوبة في لبنان، ومصير خطوط ربط الكهرباء والغاز بين الأردن وسوريا، وبين سوريا ولبنان. فهل اقتربت الخطوات الأولى لحلّ أزمة الكهرباء في لبنان؟
حلحلة العقد
رغم انطلاق البحث في مشروع نقل الكهرباء والغاز عبر سوريا إلى لبنان، كانت الأطراف الأربعة المعنية مباشرة بالملف، أي الأردن، مصر، سوريا ولبنان، تدرك جيّداً حجم التعقيدات التي تعيق تنفيذ المشروع سريعاً. لكنّها آثرت الانطلاق من نقطة أساسية وهي الرغبة في تقديم مساعدة للبنان.
تمحورت التعقيدات الأساسية حول قانون قيصر الذي كان يكبّل حركة التعامل مع النظام السوري السابق. فالكهرباء والغاز عليهما المرور بسوريا قبل الوصول إلى لبنان، وهذا ما كان يُعتَبَر خرقاً للقانون ويرتّب عقوبات على الدول التي تخرقه.
وأيضاً، هناك معضلة إصلاح خطوط الربط في الأراضي السورية، والتي تضرّرت بنسب متفاوتة إثر الحرب التي استمرّت من العام 2011 حتى سقوط النظام، فيما تنذر التوتّرات الأمنية الحالية، بأضرار جديدة.
على المقلب اللبناني، كان لزاماً على لبنان إجراء الإصلاحات التي طلبها البنك الدولي للموافقة على تمويل مشروع الاستجرار بقرض بقيمة 270 مليون دولار لتمويل استجرار 650 مليون متر مكعب سنوياً من الغاز المصري و250 ميغاواط من الكهرباء الأردنية. ومن الإصلاحات، تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء وتحسين الجباية ووقف التعدّي على الشبكة.
رغم عدم فك العقد المرتبطة بالمشروع، وقَّعَ كلّ من الأردن وسوريا ولبنان، في العام 2022، اتفاقية استجرار الكهرباء. واعتمدوا خطوات اعتبروها إيجابية، وتتعلّق ببدء إصلاح الأعطال على خطوط الربط في سوريا، واعتبرت وزارة الطاقة اللبنانية ومؤسسة كهرباء لبنان أنّ الطريق سالك نحو تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، لكن التنفيذ على أرض الواقع تأخّر.
سقط نظام بشار الأسد، ورفعت الولايات المتحدة عقوبات قانون قيصر عن النظام الجديد، وبات لقطاع الكهرباء في لبنان هيئة ناظمة وارتفع سعر الكهرباء بهدف تحسين الجباية، وأعلنت مؤسسة الكهرباء تكثيف حملات وقف التعديات على الشبكة، الأمر الذي شكَّلَ دعوة ضمنية للدول الثلاث لاستئناف بحث الملف، وأفضى ذلك إلى الاجتماع الثلاثي الأخير الذي ضمّ وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني صالح الخرابشة، ووزير الطاقة والمياه اللبناني جو الصدي، ووزير الطاقة السوري محمد البشير، والذين ناقشوا ضرورة إجراء تقييم الوضع الفني للبنية التحتية لخطوط الربط الكهربائي وخطوط نقل الغاز لدى الجانبين السوري واللبناني.
الخلاص لا يزال بعيداً
مع إزالة بعض العوائق، يفترض بالكهرباء الأردنية أن تصبح أقرب إلى لبنان، لكن ذلك لا يزال بعيداً بسبب عدم اكتمال الشروط التي حدّدها البنك الدولي للموافقة على القرض. وبستثناء تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء، تقول مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان في حديث لـ"المدن"، أنّ تحسين الجباية ووقف التعدّي على الشبكة "هما محطّتان مفصليّتان في مسار إصلاح قطاع الكهرباء تمهيداً لزيادة ساعات التغذية، بغضّ النظر عن مصدر الكهرباء، سواء من الأردن أو الموَلَّدة بالفيول في معامل المؤسسة".
وتضيف المصادر أنّه "حتى إذا اعتبر البنك الدولي أنّ تعيين الهيئة الناظمة وزيادة التعرفة وبعض حملات إزالة التعديات في بعض المناطق، باتت كافية للموافقة على القرض لتسهيل حصول لبنان على الكهرباء، فإنّ واقع الحال سيؤدّي إلى خسارة كميات كبيرة من الكهرباء، ما يحرم اللبنانيين جزءاً كبيراً منها، وتالياً جزءاً من العائدات المالية. فاستمرار التعديات وعدم الإلتزام بدفع الفواتير يحرم المؤسسة من عائدات مالية ضرورية لسداد القرض وتوفير الأموال لشراء الفيول لتأمين ساعات إضافية".
وفي السياق، يؤكّد الوزير الصدي أنّ "التعديات تشكل اليوم 30 بالمئة من الإنتاج، أي أن 30 بالمئة من الكهرباء تسرق، وهذا أمر لا يمكن الاستمرار به لأنه غير عادل لمن يدفع، ويخيف المستثمرين الذين يسألون كيف يمكن الاستثمار إذا كانت هذه النسبة تسرق". والحل برأيه هو "رفع نسبة التحصيل وإزالة التعديات إلى الحد الأقصى لتأمين التدفق المالي اللازم لشراء الفيول والإنتاج". وإحدى عراقيل زيادة الجباية وانتفاع المؤسسة من أموالها، هي مشروع مقدّمي الخدمات الذي يشير الصدّي إلى أنّ "وزارة الطاقة بصدد البحث في إعادة النظر بهذا المشروع".
ومع ذلك، ترى المصادر أنّ "هناك أجواء إيجابية تتعلّق بمساعدة لبنان، ربطاً بالمتغيّرات السياسية الحاصلة في المنطقة. وعبّرت الدول الصديقة للبنان عن هذا المنحى من خلال الحشد العربي الذي شهده مؤتمر "بيروت واحد"، وإن كان الحذر العربي لا يزال موجوداً لناحية الشك بجهوزية لبنان لإنجاز الإصلاحات المطلوبة منه بالشكل الصحيح، لا سيّما الإصلاحات المتعلقة بالقطاع المصرفي وإعادة إطلاق العجلة الإقتصادية والاستعداد لاستقبال أموال المستثمرين".
وتشدّد المصادر على أنّ "للكهرباء أهمية اقتصادية خاصة يجب على المعنيين عدم تجاهلها إذا كانوا جدّيين في الإصلاح ويريدون توجيه رسائل إيجابية للجهات الدولية والعربية، إذ يستحيل جذب الاستثمارات ما لم تكن الكهرباء قد خرجت من أزمة ضعف الإنتاج وشح المردود، وتحوّلت إلى بنية تحتية قادرة على مواكبة المشاريع الاستثمارية".
خيوط إيجابية بدأت تُنسَج في ملف الكهرباء، لكنها لا تزال هشّة. فالإصلاح الداخلي لم يكتمل، وتأهيل الشبكات في سوريا لم ينتهِ، والاحتمالات السياسية لا زالت مفتوحة وقادرة على عرقلة تأمين التمويل.