الليطاني في زمن الكوليرا... غياب للدولة والمعالجات بالتوعية

أصبح نهر الليطاني بؤرةً للجراثيم والأوبئة يحتضن الأمراض كافةً، ولعلّ أبرز اكتشاف كان رصد تفشّي جرثومة الكوليرا في الجزء البقاعي من النهر، الذي بات نموذجاً للدراسات العلميّة، إذ عرضت مؤخراً صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانيّة تقريراً مفصّلاً عن الحالة السيئة التي يعانيها هذا الشريان المائي الحيوي وبيئته المحيطة في البقاع.

أبرزت الفحوص المخبريّة أن نهر الليطاني يحتوي على موادّ كيميائية سامّة، معظمها ناتج من ال#تلوّث الصناعيّ من المعامل الصناعيّة في المنطقة، التي ترمي جميع نفاياتها في مجرى النّهر بما فيها المعادن الثقيلة السامّة المسرطنة، فضلاً عن المخصّبات الزراعيّة المستخدمة في الزراعة (peptides)، والتي تحتوي على موادّ مسرطنة أيضاً وتُرمى إلى جانب المياه المبتذلة والنفايات الصّلبة.

وفي ما يخصّ جرثومة الكوليرا في النهر، يؤكّد المدير العام لمصلحة الليطاني سامي علوية لـ"النهار" أنّ "المياه الجارية ستؤدي إلى انتشار الوباء أكثر، ومن الممكن أن تتبدّل نقاط التلوّث أو تزيد"، مشيراً إلى أنّ الأسباب الرئيسة لهذه الفوضى تتّسم بغياب المحاسبة في ملف الصرف الصحيّ، فضلاً عن عدم وجود مخطّط توجيهيّ، وتشعّب الصلاحيات بين مؤسّسة مياه البقاع ومجلس الإنماء والإعمار، وما بين وزارة الطاقة والمياه والبلديات، وذلك أدّى إلى تدفّق ما يقارب الـ50 مليون متر مكعّب من المجارير في محيط النهر". فما هي تداعيات الكوليرا على السكّان والزراعة في المنطقة؟

تقول رئيسة قسم الأمراض الجرثومية في مستشفى "المعونات" ورئيسة الجمعية اللبنانيّة للأمراض الجرثوميّة الدكتورة مادونا مطر لـ"النهار" إنّ "دخول الكوليرا إلى لبنان كان من خلال مخيّمات النازحين، لكن اليوم أصبح العدد الأكبر من المصابين لبنانياً، والسبب الأساسي يكمن في عدم جهوزيّة البنى التحتيّة الصحيّة في لبنان التي سمحت للفيروس بالتفشّي بشكل سريع، ناهيك بعدم فصل مياه الريّ عن مياه الصرف الصحي التي ستصبّ عاجلاً أم آجلاً في البحر".

وتلفت مطر إلى أنّ "ما بوسعنا فعله هو أن ننشر التوعية اللازمة لتفادي الإصابة بهذا الفيروس. وبدأت وزراة الصحّة، خاصّةً في مناطق البقاع تعليم كيفية استخدام مادة الـ"كلور" في غسيل الخضراوات والفاكهة، حيث "نضع قطرتين من الكلور فقط في المياه، وننتظر ثلاثين دقيقة، فتصبح المياه معقّمة".

وتشدّد مطر على أنّه من الصعب حصر الفيروس، في حين أنّ معظم الزراعة والري في منطقة البقاع تكون من خلال الأنهر، خاصةً الليطاني، "يعني عشوي بيسقوا بالمجارير". وتُضيف أن "ما نحاول فعله هو أنّ ننشر توعية في هذا الإطار، كما بإمكاننا أنّ نحّد من انتشار الفيروس من خلال اللقاح، فوزارة الصحّة أمّنت اللقاحات، وهو كناية عن نقطة توضع تحت اللسان، غير مؤذية، وتحّد من انتشار الكوليرا".

"إذا بدّك تعيش بلبنان بدّك كمامة ومصل"

ففي حين أنّ أكثر من 75 في المئة من المياه في منطقة البقاع تُستخدم للريّ، تقول الدكتورة في جامعة البلمند ياسمين الجبلي إنّ "كلّ مياه لبنان ملوّثة، وليس لدينا موارد مياه صحيّة أخرى، وحتى إعادة تكريرها مهّمة صعبة، جراء أزمة الكهرباء التي تعرقل عمليّة ضخّ المياه أو تكريرها. ما نحتاج إليه هو محطات طاقة كهرومائيّة تفيد في عمليّة تنظيم الرّي. لكن هذه المشاريع بحاجة إلى مبالغ طائلة من التمويل". وأشارت إلى أنّه في العام 2016 حصل لبنان على تمويل يتراوح ما بين 55 و60 مليون دولار لوقف جميع النشاطات المؤذية لنهر الليطاني، لكن لم يُنفذّ أيّ من التدابير اللازمة.

وتضيف الجبلي: "في لبنان بدّك مصل وكمامة كلّ الوقت"، نسبة التلوّث الكامنة في مياهنا وهوائنا مرتفعة جداً ومن الصعب تخفيف هذه النسبة".

وكان نائب ممثل اليونيسيف في لبنان إيتي هيغينز قد أشار سابقاً إلى أن "أياً من محطات معالجة مياه الصرف الصحي البالغ عددها 31 في لبنان لا تعمل بشكل صحيح. وكذلك الحال مع معظم محطات ضخّ المياه البالغ عددها 1000 في البلاد من دون كهرباء. جفّت الصنابير في جميع أنحاء البلاد، ويتم تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة في الأنهر والمياه الجوفية، ممّا يؤدي إلى تلويثها بشكل أكبر".