المرضى في خطر وآلاف الأطبّاء هاجروا

قد يكون الخبر الأبشع الذي يمكن أن تسمعه عائلة لبنانية اليوم، هو مغادرة طبيبها لبنان الى غير رجعة. هذا هو للأسف حال الكثير من اللبنانيين الذي يخسرون أطباء أولادهم في ظل تزايد هجرة الأطباء والعاملين في القطاع الصحي بشكل كبير بات ينذر بالأخطر وبإفراغ البلد من كفاءاته الطبية وخسارة موقعه كوجهة استشفائية أساسية في الشرق الأوسط.

لا يمكن تقدير عدد الأطباء الذي هاجروا خلال السنتين الماضيتين، إلا أن أرقاماً تقديرية نُشرت مطلع العام 2022 أشارت الى أن 3 آلاف ممرض وممرضة من أصل 17 ألفا تركوا لبنان، كما 3 آلاف طبيب من أصل 15 ألف طبيب، وهم في معظمهم من أصحاب الكفاءات العالية.
تقف أسباب كثيرة خلف هذه الهجرة، وربما تكون الدراسة التي أعدتها نقابة الأطباء بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية مطلع العام 2022 خير تعبير عن واقع الأطباء، إذ كان هناك 55 في المئة من الأطباء معدل رواتبهم مليونا ليرة أي ما كان يوازي 1200 دولار أميركي، وأما بعد الأزمة فبات يساوي نحو 62 دولار أميركي.
سبب كفيل بدفع أي طبيب تعب لسنوات طويلة في الدراسة والتخصص للبحث عن حياة كريمة خارج لبنان، اضافة الى عوامل كثيرة من عدم القدرة على الوصول الى أموالهم في المصارف، غياب أدنى المقومات التي تسمح لهم بالعمل في عياداتهم من كهرباء وانترنت وسواها أو عدم دفع الجهات الضامنة، التي باتت شبه مفلسة، لمستحقات الأطباء التي تتراكم وتفقد قيمتها يومياً ومعها يفقد الأطباء القدرة على الاستمرار. 

نبّه النائب المنتخب الدكتور عبد الرحمن البزري، والقادم من معاناة هذا القطاع والنزف اليومي الذي يشهده، من الواقع الذي يعيشه القطاع الصحي في لبنان في ظل الفشل والانهيار الكامل، معتبراً أن السبب الأساسي هو خلل النظام السياسي على مدى عقود والذي عكس نفسه في مختلف القطاعات، في الصحة والمياه والكهرباء والخبز، محذّراً من أننا "لن نخسر أطباء ومستشفيات فقط إنما سنخسر مرضى أيضاً".

وبينما أشار الى انه من الصعب تحديد عدد الاطباء الذين هاجروا، كشف البزري عبر موقع mtv أن المؤسسات الصحية الجامعية خسرت حوالى 30 في المئة من الأطباء، مضيفاً "لا شك أن الهجرة مؤثرة جداً، ففي السابق كان هناك عدد كبير من الأطباء المتواجدين لإجراء أي تدخل طبي أو عملية معينة أما اليوم فهناك نقص كبير وبعضهم بات يعمل بين لبنان والخارج"، معتبراً أن الهجرة لا تقتصر على الاطباء فقط انما على القطاع الصحي بشكل عام من ممرضين وتقنيين وسواهم.

واعتبر أن المشكلة الأساسية هي بالتجهيزات والمستلزمات الطبية التي أصبحت خارج قدرة المواطنين على دفع ثمنها بالدولار، وبالتالي فإن مشكلة الطبيب اللبناني ليست كيف يعالج بل بماذا سيعالج. اضافة الى مدى توفّر الدواء أو الجهاز المطلوب او المادة التشخيصية أم لا، ومَن سيكون قادراً على دفع الثمن المرتفع.

ولكن ما الحلّ؟ يجيب البزري: "يجب ان نقرّ بأننا في أزمة، وعلينا اتخاذ قرارات آنية في زمن الأزمة، وقرارات أثناء الانتقال من الأزمة والوصول الى بناء قطاع صحي حديث"، لافتاً الى التعاون الذي كان قائماً مع البنك الدولي عبر وزارة الصحة لهذه الغاية ولوضع خطة طبية وبناء سياسة صحية متكاملة، مشدداً على انه لم يعد بإمكاننا الاستمرار بالنظام الصحي القائم وفي ظل تعدد الصناديق الضامنة وتعدّد الأسعار ومن دون رقابة على الدواء والأسعار.

وأشاد البزري بأداء وزارة الصحة خلال الفترة السابقة، لا سيما في مواجهة وباء كورونا الذي عجزت دول أهم وأقوى من لبنان عن مواجهته، قائلاً "استطعنا بالتفاهم بيننا كقطاع خاص وأهلي وجامعي وبين وزارة الصحة على تجاوز هذا القطوع"، معتبراً أن الأزمة تعود الى المبدأ الأساسي والمتمثّل بأن سياسة الدعم هي بيد مصرف لبنان.

وعمّا يمكن ان يقدمه البزري للقطاع الصحي من داخل مجلس النواب، أكد انه سيسعى ليكون في لجنة الصحة النيابية وأن يكون فاعلاً في الملفات التي يلمّ بها ومنها الصحة.