المسيحيون "دفاعياً"... حذارِ!

ما لم "نفاجأ" بما لا نعهده في تاريخ التحقيقات المماثلة للتحقيق الجاري راهناً في "اغتيال" ابنَي بشرّي هيثم ومالك طوق (والاغتيال يفترض ان يبقى الصفة الافتراضية العمدية حتى ثبوت العكس) من مماطلة وبطء وتمييع بلوغاً الى إخفاء الحقيقة وطمسها على غرار عشرات الجرائم وآخرها وأفظعها انفجار العصر في المرفأ...

ما لم نفاجأ بتطور يعاكس "متلازمة" دفن الحقائق التي أرغمت بطريرك الموارنة نفسه وسط الانفعالات الغاضبة المحتقنة لأبناء مدينة المقدّمين وجبران خليل جبران على توجيه سهام موقف نادر في حدّته الى القضاء… لن يكون حينذاك الخوف مبرراً فقط من بقية تأتي لترددات فتنة أوقِظت ولم تُدفن بعد خلافاً لكل التلاعب اللفظي الذي يراد له تخفيف الوقع عن بيئة المستهدفين بالجريمة المزدوجة، بل سيكون الامر أشد فداحة.

والحال انه حتى الساعة يغدو ضرباً من التشاطر والتسرع وربما الرعونة في الجزم القاطع بوجود أي رابط نظري أو عملي بين استهداف اجرامي عمدي مفترض لبشرّي كلاً والازمة السياسية الرئاسية من خلال مقتل ابنيّ عائلة طوق التي تشكل بامتياز النموذج البشراوي في التقاطعات والتنافسات السياسية والعائلية المحلية الخاصة والسياسية العامة من جهة، كما عكست في المقابل التحفز الصارخ في مواجهة "غامض" اعتدى بخبث دموي على العصب البشراوي "الماروني المسيحي" بصراحة متناهية. ليس في ظواهر الجريمة بعد "وشاية" باستفزاز المسيحيين كلاً برابط من هذا النوع ما لم تظهر في قابل الأيام وقائع جدية ذات صدقية قاطعة بعيدة عن أي تلاعب وتوظيف واستثمار خبيث آخر، ولعل وضع التحقيق بأيدي الجيش يشكل ضمانا لمنع أي "كارثة" توظيفية من هذا القبيل.

مع ذلك سنذهب أبعد، لان الجاري في الضرب على وتيرة توظيف الازمة الرئاسية ومستنقعاتها واستتباعاتها في كل الاتجاهات دفع بكثيرين الى استسهال التلطي وراء تاريخ طويل من الخلافات والطبائع البنيوية للمسيحيين الى حدود الغباء او التهور او التواطؤ في استهدافهم.

أسوأ ما يُفترض بأولئك الذين يستسهلون أو يتآمرون أو يهملون مظاهر "وحدة " مسيحية نادرة تطلع من قلب ازمة ما او حدث عابر للحظة ويتصل بأزمة مصيرية انهم لا يدركون ان استنفار أي طائفة عموما في لبنان غالبا ما ينذر باضطرابات ولكنه حين يتصل بالمسيحيين يصبح نذيرا وجوديا لكل البلد وليس اقل. لا يكفي ان يكون "جسم المسيحيين لبّيساً" في تاريخ النزاعات والخلافات بين جماعاتهم وقواهم واحزابهم وعائلاتهم ومناطقهم لكي يتجاهل الجاهلون خطورة الضرب على وتر استفزازهم في المرحلة الحالية تحديدا التي يقف فيها المسيحيون كأكثر الجماعات والطوائف توجساً وتأهباً عند مشارف فقدان النظام آخر حلقاته منذرا بالانهيار الشامل القاتل. وليس في مجريات الشهرين الأخيرين سوى نماذج حية عن هذا التوجس وطبيعة الانفعالات والتفاعلات المسيحية مع "الاستهداف" أياً كانت طبيعته.

لم يفهم كثيرون بعد معنى ان يستعيد المسيحيون تجربة التوحد على رفض مرشح رئاسي مفروض بعد اكثر من ثلاثة عقود على اسقاطهم اتفاق حافظ الأسد وريتشارد مورفي على انتخاب مخايل الضاهر. ولم يفهموا معنى ارتفاع اول سد نادر من نوعه في العلاقات المسيحية مع فرنسا الذي تجسده محاضر لقاءات جان - إيف لودريان مع القيادات المسيحية الوازنة الأكثر تمثيلا. وعساهم يفهمون الآن معنى ودلالات مشهد بشرّي في وداع اثنين من "شهدائها" مع كل الالتباس الخطير الذي يرافق مشهداً دفاعياً لـ"مسيحيين" حُشروا في زاوية التنمّر عليهم...