المسيّرات التّركيّة: قريباً في الأسواق اللّبنانيّة والسّوريّة...أرخص من النماذج الإسرائيلية والأميركية

لا يستبعد باحث تركيّ إسرائيلي انتشار الطائرات المسيّرة التركية في لبنان وسوريا، بالتزامن مع سعي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى تعزيز وجوده في سوريا ولبنان من ضمن رؤية أوسع نطاقاً، الأمر الذي يُمثّل مشكلة رئيسية لإسرائيل.

في إشارة إلى إعلان الرئيس التركي (أخيراً) أنّ “تركيا تُصنَّف من بين أفضل ثلاث دول في العالم في تكنولوجيا الطائرات المُسيّرة”، يحذّر الدكتور هاي إيتان كوهين ياناروجاك، محلّل الشؤون التركية في معهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS) ومركز موشيه دايان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا (MDC) في جامعة تل أبيب “من تداعيات ذلك على إسرائيل وأمنها، وعلى أمن المنطقة بأكملها”.

 

يجب، في رأي ياناروجاك، الذي ولد ونشأ في تركيا، “عدم الاستهانة بإردوغان عندما يُصرّ على أنّ حدود تركيا أكبر ممّا هي عليه الآن، فالرئيس التركي يسعى إلى تعزيز نفوذه في الشرق الأوسط من خلال تعزيز وجوده في سوريا، وسيواصل سعيه للسيطرة من ضمن رؤية أوسع نطاقاً، وقد يُمثّل ذلك مشكلة رئيسية لإسرائيل”.

يعتبر الباحث أنّ الهيمنة التركية المتزايدة في إنتاج الطائرات المسيّرة تزيد من قلق إسرائيل من طموحات تركيا في المنطقة، ويكتب: “الأتراك من بين أكثر الدول تقدّماً في مجال الطائرات المُسيّرة، وهم قاموا بنسخ التقنيّات الأميركية والإسرائيلية وتعلّمها عن طريق الهندسة العكسيّة. وبفضل قوى العمل المنخفضة التكلفة لديهم، بدأوا إنتاج الطائرات المُسيّرة بأسعار معقولة جدّاً”.

يتابع: “لقد اخترق الأتراك مجموعة كاملة من الأسواق، بما في ذلك أسواق إفريقيا. ميزتهم الرئيسية هي أنّهم لا يطرحون أسئلة عن حقوق الإنسان، عمّن ستستهدفه الطائرات المسيّرة وفي أيّ ظروف. على مرّ السنين، بنوا قدرات قويّة. وليس سرّاً أنّ العديد من الدول في العالم تتعامل معهم. لقد ظهرت هذه الطائرات المسيّرة بالفعل في ساحات القتال في سوريا والقوقاز وليبيا وأوكرانيا.”

المسيّرات التّركيّة في العالم

على الجبهة الروسية، بحسب ياناروجاك، “لم يكن الروس يعرفون في البداية كيفية التعامل مع تهديد الطائرات المسيّرة. ولكن لاحقاً، بفضل تقنيّاتهم المتقدّمة وأنظمة الحرب الإلكترونية، تمكّنوا من مواجهتها. لم تكن في الساحات الأقلّ تطوّراً مثل القوقاز أو ليبيا أنظمةٌ قادرةٌ على تحييد هذه الطائرات المسيّرة بفعّالية. رصدت الدول الإفريقية مدى فعّاليّة الطائرات المسيّرة وقرّرت شراءها. على سبيل المثال، استخدمت الحكومة الإثيوبية الطائرات المسيّرة التركية ضدّ قوّات المتمرّدين، محقّقةً نصراً حاسماً”.

أمّا بالنسبة لتداعيات ذلك على إسرائيل، فيقول ياناروجاك: “قد يؤثّر ذلك على إسرائيل بطريقتين:

1- من منظور التكنولوجيا والتصدير، أصبحت تركيا منافساً مباشراً. فطائراتها المسيّرة أرخص من النماذج الإسرائيلية والأميركية على حدّ سواء، وهو ما يجعلها أكثر جاذبية للدول التي لا تفرض قيوداً أخلاقية على مبيعات الأسلحة.

2- هناك قلق جيوسياسي. فقد ألمح إردوغان إلى إمكان تزويد لبنان بهذه الأنظمة. وقد نرى يوماً ما طائرات تركيّة مسيّرة في الأراضي اللبنانية. وبالطبع يشمل الأمر سوريا. فقد صرّح وزير الدفاع التركي بوضوح أنّه إذا طُلب منّا، فستزوّد أنقرة الجيش السوري الأسلحة والذخيرة. لذلك من المحتمل جدّاً أن نرى أيضاً طائرات تركية مسيّرة منتشرة في سوريا”.

طموحات إردوغان تقلق

يكمن القلق في أنّ للرئيس التركي طموحات أكبر من طموحات إيران. يقول ياناروجاك في حديث آخر إلى شبكة البثّ المسيحية في الشرق الأوسط (CBN)Network  The Christian Broadcasting: “إذا تحدّثنا عن النفوذ في سوريا، فإنّ (إردوغان) قد حلّ بالفعل محلّ روسيا وإيران، لكن بالنظر إلى الماضي العثماني المجيد، فإنّ طموحاته أكبر بكثير من طموحات إيران. نرى حدود الإمبراطورية العثمانية. فكما يتحدّث عن بلغراد، يتحدّث عن القدس، وكما يتحدّث عن أثينا، يتحدّث عن مدن كالقاهرة وأخرى داخل الشرق الأوسط. لذا لا أعتقد أنّه يريد حصر هذه الإمبراطورية ضمن حدود الشرق الأوسط فقط.”

وفقاً لياناروجاك، فإنّ سقوط الرئيس السوري بشّار الأسد في كانون الأوّل مهّد الطريق أمام إردوغان لتحقيق هدفه في إحياء إمبراطورية تبدأ بسوريا. فمنذ بداية الحرب الأهلية السوريّة، قدّم الرئيس التركي كلّ ما لديه للمعارضة السوريّة. وهو الآن يُحوّل الإدارة السوريّة الحاليّة إلى حليف أساسيّ له. ومن خلال تقديم بعض الخدمات المدنية، مثل رصف الطرق والسكك الحديد وتوفير الرادارات وإصلاح المطارات وغيرها من المرافق، تُنشئ تركيا تبعيّة بالغة الأهميّة من الجانب السوري. وتركيا هي الدولة الوحيدة التي أعلنت نيّتها بناء الجيش السوري الجديد، الذي طالبته الولايات المتّحدة بتدمير أسلحته الكيميائية ونبذ الإرهاب.

الخطر يحيط بالعلاقة مع إسرائيل

بحسب الباحث “تعرِّض تحرّكات إردوغان العلاقات الدبلوماسية التي تربط إسرائيل وتركيا منذ عام 1949 للخطر، بعدما تمنّى الرئيس التركي تدمير إسرائيل. بالنسبة لإسرائيل، وخاصّة بعد السابع من أكتوبر، لا يمكن التسامح مع بعض التهديدات المستقبلية، ولذلك منذ سقوط نظام الأسد، قصفت إسرائيل مخازن الأسلحة والمواقع العسكرية الاستراتيجية بينما أنشأت منطقة عازلة على طول حدودها مع سوريا”.

يشير ياناروجاك إلى حديث شيرين هاسكل، نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، لقناة CBN عن قلق إسرائيل من تدخّل تركيا في سوريا وسعيها إلى السيادة على الأرض السورية أيضاً، من خلال بناء مرافق حكومية ومكاتب بريدية، وبنوك تركية (تستخدم العملة التركية)، ومدارس، وقولها إنّ “نوايا تركيا تتجاوز إسرائيل، ويجب أن يكون ذلك مصدر قلق كبير لجميع الدول المجاورة”. ويلفت إلى عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخيراً تسوية أيّ صعوبات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإردوغان.

يعتبر أنّ “هذه هي المرّة الأولى التي يمكن فيها للولايات المتّحدة أن تصل إلى سوريا، التي كانت تحت سيطرة روسيا والآن تتأثّر بتركيا، عضو الناتو. لدى دونالد ترامب الآن فرصة للتوغّل في سوريا وربّما لتأدية دور في إعادة إعمارها. واسم اللعبة هنا هو المال، ورئيس الولايات المتّحدة رجل أعمال ناجح جدّاً، وأعتقد أنّ آخر شيء يبحث عنه في سوريا هو الاحتكاك بين دولة إسرائيل وتركيا.”