المصارف: الدمج أو الإفلاس

تتجه أنظار اللبنانيين إلى قرار حكومة تصريف الأعمال والمصرف المركزي اليوم حول رفع الدعم عن السلع الأساسية، حيث فوجئ أصحاب الأفران بعدم تسليم المطاحن الطحين غير المدعوم، لأنّها عزمت على بيعه بالدولار. وبحسب نقيب المطاحن والأفران علي إبراهيم، فإن منتجات الكعك والمناقيش ستصبح مسعّرة بالدولار، «ولن يستطيع الفقير شراء المنقوشة».
في المقابل، تتشارك المصارف اللبنانية والمصرف المركزي والطبقة السياسية مسؤولية الانهيار. وقد طُرحت إعادة هيكلة القطاع المصرفي كخيار للمعالجة واستعادة الثقة، وستنطلق العملية في الفصل الأول من العام المقبل، وستقرر مصير المصارف: إما الدمج أو الاستحواذ، وإما التصفية أو إعلان الإفلاس.

وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة طلب من المصارف زيادة رأس المال بنسبة 20 في المئة، مهدداً تلك التي تفشل في الامتثال إلى متطلّبات إعادة الرسملة بوضع اليد عليها. ويشكّك خبراء المال والاقتصاد في كلام سلامة، ويضعونه في خانة شراء الوقت، وكذلك يشكّكون في التزام المصارف، وسط تساؤلات عن مصير ودائع العملاء.

ويتهم المصرف المركزي من قبل السواد الأكبر من اللبنانيين، كما من خبراء دوليين، بقيامه بأكبر عملية سطو على ودائع الناس الذين سلّموا تقريباً بخسارة ودائعهم أو بـ«نهبها». كما أن «المركزي»، ورغم تهديده المبطّن بإخراج تلك المتخلّفة من السوق، فإنه لا يزال يتعامل مع العرقلة بكثير من التساهل، ما يدفع كثراً للتشكيك في تواطؤ مستتر، سيظهر على حقيقته في فبراير. الخبير المالي حسن خليل اعتبر، في تصريح لـ القبس، أن إعادة الهيكلة أو الدمج، وإعادة الرسملة، كلها آليات للهروب من المشكلة مؤقتاً، مؤكداً: حتى إن امتثلت بعض المصارف فسيكون الأمر إعلانياً دعائياً، «ولا أصدّق أن أحداً سيدخل «كاش» إلى لبنان بوجود رياض سلامة أو النظام المصرفي الحالي». ويضيف: «الكل غرق، ولا مخرج».

فيما يلي التفاصيل
تتشارك المصارف اللبنانية والمصرف المركزي، والطبقة السياسية، مسؤولية الانهيار المالي في لبنان. وتتحمل المصارف جزءاً كبيراً من الأزمة المالية والنقدية، رغم محاولتها رمي المسؤولية على «الدولة» عبر اتهامها بتخلفها عن سداد ديونها. ولأن تداعي النموذج الاقتصادي اللبناني، الذي كانت المصارف إحدى ركائزه، يستوجب أداء جديداً، طُرحت إعادة هيكلة القطاع المصرفي كخيار لمعالجة أزمته واستعادة الثقة به. وهذه العملية، التي ستنطلق في الفصل الأول من العام المقبل، ستقرر مصير المصارف: الدمج أو الاستحواذ، التصفية أو إعلان الإفلاس.

يدأب حاكم المصرف المركزي رياض سلامة على طمأنة اللبنانيين الفاقدي الثقة بالدولة والمصارف، خصوصاً بعودة تدريجيّة لانتظام العمل المصرفي، ابتداء من مارس المقبل، بعد أن يكون القطاع قد أنجز عمليّة رفع رأسمال المتوقّعة في فبراير. وفي إطلالته الأخيرة، تحدث سلامة عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي، من خلال طلبه من المصارف زيادة رأس المال بنسبة 20 في المئة، مهدداً تلك التي تفشل في الامتثال لمتطلّبات إعادة الرسملة بوضع اليد عليها من قبل المركزي. وكان سلامة قد أصدر تعميماً في الإطار نفسه، مفاده أنّ البنوك غير القادرة على زيادة رأس المال بنسبة 20 في المئة بنهاية فبراير سيتعين عليها الخروج من السوق. وإزاء المماطلة التي انتهجتها المصارف مدّد «المركزي» المهلة حتى نهاية فبراير المقبل. وكان يفترض أن تبادر المصارف إلى زيادة رسملتها على مرحلتين، تنتهي الأولى منها في ديسمبر من العام الفائت، في حين تنتهي الثانية في نهاية يونيو الماضي. ولكن، مع بداية 2020، تبيّن أن عدد المصارف التي أنجزت المرحلة الأولى لم يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، فيما تجاهلت معظم المصارف التعميم.

مصير الودائع
عدد كبير من خبراء المال والاقتصاد يضعون كلام حاكم «المركزي» في خانة شراء الوقت. ويشكك هؤلاء في التزام المصارف بطلب سلامة. وفي هذا الحال، يصبح السؤال الأهم: ما مصير المصارف التي ترفض أو هي غير قادرة على زيادة الرسملة؟ وبالتالي ماذا سيحل بودائع عملائها؟ سبب مماطلة المصارف، وفق المحللين، هو «رهانها على عدم قدرة مصرف لبنان على تنفيذ حملة استحواذ واسعة النطاق، على المصارف التي لا تستجيب لإعادة الرسملة، خصوصاً إذا كان عدد المصارف المتخلفة كبيراً». وتتذرع المصارف، التي تتعمد عدم تطبيق التعميم، بعدم وضوح آليات تطبيقه، وكذلك بغموض مصير الديون السيادية التي تخلّفت الدولة عن سدادها، ونسبة الحسم منها، ومصير ودائع هذه المصارف لدى «المركزي»، وقدرته على توفير السيولة لاحقاً لسداد قيمة ودائع بالعملات الأجنبيّة للمصارف.

الدمج.. أو الخروج
عملية إعادة رسملة المصارف من شأنها أن تساهم في دمج المصارف، كما من شأنها اخراج مصارف من السوق. «وهي إجراء ضروري ومفيد لإعادة هيكلة القطاع، ومن شأنه أن يضخّ سيولة في الداخل، شرط أن تتمّ إعادة الرسملة بشكلٍ نقدي، ومن أموال المصارف في الخارج، وليس عبر تمييع العملية بأموال من الداخل»، وفق الخبير المالي روك مهنا. ومهما تكن نتائج إعادة الهيكلة، تصر المصارف على انها لن تؤثر في المودعين لأنها عملية تقنيّة تبقى خلالها الودائع في محفظة المصارف، فيما يستحوذ مصرف لبنان على ودائع وأموال المصارف التي قد تخرج مِن السوق، كضمانة لودائع الناس. لكن المصرف المركزي متهم من قبل السواد الأكبر من اللبنانيين، كما من الخبراء الدوليين بقيامه بأكبر عملية سطو على الودائع الناس الذين سلموا تقريبا بخسارة ودائعهم او بـ «نهبها».

هروب من المشكلة
الخبير المالي حسن خليل قال لـ القبس ان إعادة هيكلة المصارف، دمج المصارف، إعادة رسملة المصارف، كلها آليات للهروب من المشكلة مؤقتا. لن تقدم المصارف على زيادة رأسمالها، وان زادته فلن يكون مالا نقديا، وكشف ـــ نقلا عن بعض المساهمين في مصارف ـــ انه طلب منهم وضع عقارات او عملة وطنية بسعر الدولار القديم أي 1500 ليرة. وهذه من جملة الأكاذيب التي يسوقها المركزي ويدرك انها لن تفضي الى إعادة الثقة بالقطاع المصرفي حسب خليل. «رمي الاوساخ فوق الاوساخ السابقة ينتج جبلا من النفايات، وليست حديقة ورد». خليل مثل كثر من الخبراء، غير مؤمن بتطبيق تعاميم مصرف لبنان، أما في حال امتثلت بعض المصارف واعادت رسملتها فسيكون الامر دعائيا ولا اصدق ان أحدا سيدخل «كاش» الى لبنان بوجود رياض سلامة او النظام المصرفي الحالي. اللافت ان مصرف لبنان ورغم تهديد سلامة المبطن بإخراج المصارف المتخلفة من السوق، فإنه لا يزال يتعامل مع عرقلة القطاع المصرفي المتكررة لعمليّة إعادة الرسملة كما خطط لها، بكثير من التساهل، في حين كان بامكانه اصدار عقوبات ينص عليها قانون النقد والتسليف، قبل الوصول إلى مرحلة الشطب من لائحة المصارف المرخّصة. وهذا ما يدفع كثراً للتشكيك في تواطؤ مستتر بين سلامة والمصارف سيظهر على حقيقته في فبراير المقبل، الموعد النهائي لاتخاذ القرار بتصفية أو الاستحواذ على المصارف غير القادرة على إعادة الرسملة. غير ان حسن خليل ينفي حالة وئام بين سلامة وأصحاب المصارف الذين لا يعرفون الخروج من هذا المأزق، قائلاً: «الكل غرق، ولا مخرج».

مصارف تقفل فروعها
رغم ان عملية إعادة الهيكلة لم تُطلَق رسميا بعد، فان بعض المصارف الكبرى، والتي يتخطى عدد فروعها 95 فرعاً تتجه إلى خفض عددها خلال عام، بما يتراوح بين 20 و30 فرعاً. أي بنسبة تفوق 20 في المئة تقريباً من مجمل الفروع، وفق مصدر في جمعية المصارف.