المقاومة المقلوبة: حين استبدل "حزب الله" إسرائيل بالدولة اللبنانية!

منذ اللحظة التي وُقّع فيها اتفاق وقف الأعمال العدائية بين "حزب الله" وإسرائيل، انقلبت الأضواء كلها نحو الحزب، وبدأت تُطرح الأسئلة، ماذا بعد؟ وأين سيتجه سلاح الحزب الذي كان يُقدَّم على أنه “سلاح المقاومة”؟

الوقائع على الأرض جاءت صارخة، الحزب خضع بالكامل للشروط الإسرائيلية، سلّم سلاحه عملياً جنوب الليطاني، وأطلق التصاريح والاستنكارات الصوتية الفارغة المرادفة للاستسلام المذل أمام كل الخروقات اليومية التي ترتكبها إسرائيل. لم يجرؤ منذ ذلك الحين على إطلاق رصاصة واحدة، رغم استهداف إسرائيل لعناصره ومخازنه وأي محاولة لتجيمي فررميم قواعده المنهارة. "حزب الله" الذي كان يهدّد ويتوعد، تحوّل فجأة إلى شاهد عاجز على تفكك قوته.

اليوم، وبعد مرور عشرة أشهر على ذلك الاتفاق، وبدلاً من أن يواجه القيقة بصدق، ويعترف بفداحة الهزيمة، ويعلن أمام اللبنانيين استحالة مقاومة إسرائيل بالأساليب التي أثبتت فشلها في المواجهة الأخيرة، اختار الحزب التلويح بالسلاح نحو الداخل اللبناني، واستبدال شعاره من “مقاومة إسرائيل” إلى “مواجهة الدولة”.

ما بقي من قوة الحزب ليس عسكرياً بقدر ما هو أمنياً، قوة لم تمسّها إسرائيل، برزت بقيادة وفيق صفا، الرأس المدبر لجهاز أمني غامض متهم بسلسلة من الجرائم التي عصفت بلبنان في السنوات الأخيرة سياسياً وقضائياً، هذه القوة التي ظهرت على “الموتسيكات” في أكثر من محطة بدايةً، لتتحول وتحاول إثبات حضورها الفج في فعالية “إضاءة صخرة الروشة”، ليست مجرد أداة حزبية، بل اختراق عميق في مؤسسات الدولة وأجهزتها، في مشهد يختصر معنى الدولة العميقة التي ينخرها الحزب من الداخل ويدل على استبدال مقاومته لإسرائيل بمقاومته الدولة اللبنانية.

واليوم، يخوض الحزب مقاومة سياسية لا تقل خطورة عن مقاومته الأمنية، متكئاً على تحالفه مع الرئيس نبيه بري. فإمّا إجراء الانتخابات النيابية المقبلة في أيار وفق شروط “الثنائي”، وإمّا الفوضى، هذا ما أعلنه ممثلوهما صراحة رفض أي تعديل على القانون الحالي يتيح للمغتربين التصويت الكامل لـ 128 نائباً، منعاً لأي تغيير في احتكارهم للمقاعد الشيعية، ورفضاً لأي نتائج قد تفضي إلى خسارة إضافية في المجلس بعد الهزيمة العسكرية أمام إسرائيل، وهنا أيضاً، تتكرّر المعادلة نفسها، استبدال مواجهة إسرائيل بمواجهة الدولة اللبنانية.

وفي السياق ذاته، يواصل الثنائي تحميل اللبنانيين أثقال الحرب الأخيرة، عبر دفع المجلس النيابي في جلسته الأخيرة إلى التصويت على بند يتيح "قرضاً" بقيمة 250 مليون دولار لإعادة الإعمار كما محاولة وزير المالية ياسين جابر إدراجه مبلغ 50 مليون دولار إضافية من خزينة الدولة ضمن الموازنة للهدف نفسه. خطوة تكشف مرة جديدة كيف أفشل الحزب وحليفه قدرة الدولة على جلب المساعدات الدولية المشروطة بسحب السلاح، ليحوّلا إعادة الإعمار إلى ورقة ابتزاز جديدة ضد اللبنانيين، في تأكيد متجدد على أن “المقاومة” لم تعد في مواجهة إسرائيل بل في مواجهة اللبنانيين والدولة اللبنانية.

ولا شك أن كل محاولات الحزب باتت مرهونة بالتطورات الخارجية، خصوصاً مع التباين القائم بين الرئاستين الأولى والثالثة حول كيفية مقاربته من قبل الدولة، ما يسلّط الأنظار باتجاه مصير “اقتراح” الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ففي حال نجاحه، تكون إسرائيل قد أزاحت عن كاهلها عبء غزة وتفرّغت لمواجهة إيران واستهداف نظامها حتى إسقاطه كما يُتوقع، ولكن هل سيعني ذلك اندلاع حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران، أم أن إسرائيل ستسعى أولاً إلى تصفية حسابها مع "حزب الله" شمالاً عبر حرب برية وجوية ضد لبنان، مستفيدة من استفزازات نعيم قاسم الرافض تسليم السلاح وزيارات علي لاريجاني التي توصي إسرائيل بمهاجمة لبنان قبل إيران، إفساحاً في المجال أمام طهران للتفاوض والاستفادة من عامل الوقت على حساب اللبنانيين!؟

الوقت كفيل بالإجابة إلا أن الأكيد أن "حزب الله" أعلن مقاومته للبنانيين وللدولة اللبنانية.