الموازنة فُخخت بالضرائب... وحسابات انتخابية تدفع السلطة إلى تأخير إقرارها

قالت أوساط لبنانية مطلعة إن التجاذبات التي ترافق إحالة مجلس الوزراء اللبناني لمشروع قانون موازنة 2022 للبرلمان انتخابية بامتياز، إذ تسعى الأحزاب التقليدية إلى تعطيل إقرارها لما بعد الانتخابات التشريعية في ايار المقبل خشية تأثير إجراءاتها التقشفية على خزانهم الانتخابي.

وقال المحلل السياسي جوزيف أبوفاضل إن “الموازنة لن تقر قبل الانتخابات النيابية، لأن إقرارها قبل الانتخابات انتحار للطبقة السياسية، وهذا سيدفع الناس للتوجه إلى المجتمع المدني في الانتخابات”.

وتسود حالة من القلق بين اللبنانيين عقب إقرار حكومة بلادهم مشروع موازنة 2022، بالنظر لما قد تحمله من ضرائب ورسوم تزيد الأعباء المعيشية.

والخميس الماضي، أقرت الحكومة اللبنانية، مشروع الموازنة لعام 2022، وأحالته إلى مجلس النواب لمناقشته والتصويت عليه.

وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، أكد “عدم وجود ضرائب مباشرة على المواطنين بل رسوم بدل خدمات”، إلا أن مراقبين توقعوا أن تزيد هذه الموازنة معاناة المواطنين المعيشية.

وتوصف الموازنة بأنها تقشفية، في ظل انكماش اقتصادي حاد بلغ 90 في المئة، على إثر أزمة اقتصادية تعصف بالبلاد منذ أواخر 2019، حيث أدت إلى انهيار مالي وفقدان سلع أساسية كالوقود والأدوية وتراجع الخدمات العامة.

ويتوقع خبراء ونقابيون أن تزيد الموازنة في حال صدّق عليها البرلمان، من معاناة المواطنين المعيشية، لأن 75 في المئة من سكان البلاد باتوا تحت خط الفقر، وفق آخر إحصائية للأمم المتحدة.

وهذا القلق نابع من فرض ضرائب “شمولية” تطال جميع المواطنين، إضافة إلى رفع سعر صرف “دولار الجمارك” بنحو 14 ضعفا، وهو الدولار الذي على أساسه تحتسب الرسوم على السلع المستوردة.

وحتى اليوم لا تزال الحكومة تحتسب الدولار في المعاملات الرسمية، ومن بينها الجمركية، وفق سعر الصرف الرسمي البالغ 1508 ليرات للدولار الواحد، في حين يبلغ سعر الصرف بالسوق الموازية نحو 21 ألف ليرة.

وكان ميقاتي قال الخميس إن “الدراسات لدينا حول الدولار الجمركي، تظهر أن الزيادة على أسعار السلع لن تتجاوز نسبة 3 إلى 5 في المئة”، مضيفا أن “هناك زيادات (في الضرائب) لكن بنسب مقبولة وهي ليست مباشرة على المواطن، إنما على الخدمات كي نتمكن من القيام بها”.

ووفق مشروع الموازنة، ستُفرض ضرائب إضافية على السلع المستوردة، وكذلك على السفر بقيمة تتراوح ما بين 35 و100 دولار، إضافة إلى رسوم جديدة على الخدمات والمعاملات الرسمية.

ويقود رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، صهر عون، حملة منددة بالإجراءات التي شملتها موازنة 2022، في وقت تراجعت فيه شعبية حزبه داخل بيئته المسيحية، ما يمهد لتراجع خزانه الانتخابي بشدة في الانتخابات النيابية المرتقبة.

وبدوره ينتقد حزب الله، المهيمن على الساحة السياسية في لبنان، بنود الموازنة خاصة في شقها الاجتماعي، رغم أنه يتحمل المسؤولية الأكبر في ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في لبنان.

ووصف محللون انتقادات حزب الله بالحملة الانتخابية ومحاولة للإيهام بأنه يحمل هموم وقلق اللبنانيين ويشاركهم مخاوفهم.

ويشير هؤلاء إلى أن مساندة حزب الله للموازنة وتسهيل المصادقة عليها في البرلمان سيخصم منه أصوات انتخابية وأن إقرارها بعد الانتخابات يمنحه فرصا أكثر للمناورة وتبرير دعمه.

وقالت الخبيرة الاقتصادية محاسن مرسل إن الموازنة “فُخخت بالضرائب” بشكل مقنع، وستحمل معها أعباء معيشية جديدة مباشرة وغير مباشرة على المواطنين.

وأضافت “صحيح أن المسؤولين تحدثوا أن الرسوم الجمركية ستطال الكماليات فقط وليس السلع الغذائية، لكن الواقع سيكون مختلفا على أرض الواقع، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار مجمل السلع والخدمات.

ويشير الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية عباس دبوق إلى أن “الأعباء المعيشية الجديدة ستدفع اللبنانيين نحو الهجرة أكثر”.

وقال دبوق إن اللبنانيين يتخوفون من أي ضرائب ورسوم جديدة خصوصا بعد الانهيار الاقتصادي في بلدهم، وفقدان القدرة الشرائية لمعظم المواطنين.

وأضاف أن أي أعباء اقتصادية جديدة قد تطال المواطنين، ستجعل المزيد منهم يفكرون بالهجرة، بحثا عن مستقبل أفضل لهم ولأولادهم خارج الوطن.

ومؤخرا، أظهرت دراسة بحثية أجرتها شركة “الدولية للمعلومات” اللبنانية (خاصة) ارتفاعا في عدد المهاجرين والمسافرين خلال عام 2021 بنسبة 346 في المئة بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها لبنان.