الناقلات الإيرانية: وهمية في سوريا وحقيقية تنتظر في البحر الأحمر

كتب خضر حسان في المدن:

"تستعجل جهات لبنانية وصول الناقلات الإيرانية إلى المياه الإقليمية السورية، لتسجيل انتصار وهمي باعلانها أن الناقلة الأولى وصلت إلى مرفأ بانياس. لكن الأقمار الاصطناعية التي يعتمد عليها موقع تانكر تراكرز TankerTrackers المتخصص في تتبع ناقلات النفط، تشير إلى أن الناقلة الأولى ترسو في البحر الأحمر على بُعد بضعة أيام جنوبي قناة السويس.

انتظار الناقلة الثانية

بضعة أيام هي الفارق الزمني الذي يفصل بين ناقلتين: الأولى وهمية أدخَلَها المستعجِلون إلى سوريا إعلامياً، والثانية فعلية ما تزال في البحر الأحمر وتحتاج إلى نحو أسبوع لبلوغ بانياس.

الناقلة الإيرانية في البحر الأحمر. توقّفت هناك بانتظار الناقلة الثانية التي غادرت إيران، على ما يقوله الموقع الذي أبلغ عملاءه "بعدّة سيناريوهات لما قد يحدث بعد متابعة السفن شمالًا، بما في ذلك كيف يمكن أن تسير الأمور في حالة وصول السفن إلى لبنان أو سوريا". وقد استندت السيناريوهات على "فهم البنية التحتية والخدمات اللوجستية". وأصرَّ الموقع على عدم الإعلان عن أسماء الناقلات، "إلا بعد خروجها من قناة السويس".

لا عقبات أمام الناقلتين الأولى والثانية، والوقت هو كل ما تحتاجانه. في المقابل، تدور علامات الاستفهام حول الناقلة الثالثة التي لم تغادر المياه الإقليمية الإيرانية. وبفعل ذلك، كشف موقع تانكر تراكرز إزالته السفينة الثالثة من خارطة تعقّبه للمجموعة المتّجهة إلى سوريا، وخفَّضَ تصنيفها من استعدادها للانطلاق خلف الباخرة الثانية، إلى إعدادها لـ"التسليم المحلي داخل إيران أو وضعها بانتظار وصول أول ناقلتين إلى وجهتهما بنجاح".

الترحيب بالنفط الإيراني

يزداد الطلب على المحروقات في لبنان بفعل ارتفاع معدّل الاستهلاك الذي يراكمه التهريب والتخزين. وهذا الطلب يستنزف الدولارات المخصصة مِن قِبَل مصرف لبنان لدعم استيراد المحروقات. ولذلك قرّر حاكم المصرف رياض سلامة رفع الدعم وتأمينه دولارات الاستيراد وفق سعر منصّة "صيرفة" بحدود 16500 ليرة للدولار، ليصار لاحقًا إلى الاتفاق على تحمّل خزينة الدولة جزءًا من الحِمل، فتدعم الاستيراد بمعدّل 8000 ليرة، ويُدفع المبلغ الإجمالي من موازنة العام 2022، فارتفعت أسعار المحروقات إثر ذلك، من دون توفيرها في السوق بشكل كافٍ، برغم حملة المداهمة التي قامت بها القوى الأمنية للتخفيف من التخزين والاحتكار.

وعدم توفّر المحروقات واستمرار طوابير السيارات أمام محطات الوقود شكَّلًا دافعًا إضافيًا لدى اللبنانيين إلى الترحيب بالنفط الإيراني، بغضّ النظر عن الموقف السياسي والعقائدي من إيران أو حزب الله. علمًا أن الكميات المنتظرة لا تكفي السوق لكنها قد تشكّل حجراً يسند الخابية، خصوصاً وأن الناقلة الأولى تحمل المازوت. ويقول حزب الله بأنه سيوزّعه على المستشفيات والأفران ومولّدات الكهرباء الخاصة، في محاولة لتأمين الخبز والقدر الممكن من الاستشفاء، إلى جانب الكهرباء التي تعجز مؤسسة كهرباء لبنان عن تأمينها.

ويعتبر حزب الله وجمهوره أن وصول الناقلات الإيرانية إلى سوريا ودخول مخزونها لبنان برًا، انتصار على الإرادة السياسية للولايات المتحدة الأميركية وكسرًا لحصارها لبنان وسوريا. فيما قراءة المواقف الأميركية ومسار التفاوض مع إيران لإعادة إحياء الاتفاق حول مشروعها النووي، تفضي إلى غض طرفٍ أميركي، يصل أحيانًا إلى حدود الموافقة المبطّنة على إيصال النفط إلى سوريا ثم لبنان.

بين العقوبات والانتصار

تلتَمَسُ الموافقة من خلال التصاريح الأميركية، الرسمية وغير الرسمية. فقد نقلت صحيفة الغارديان عن مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاذام هاوس للأبحاث، لينا الخطيب، أن "التهريب والتجارة بين لبنان وسوريا استمرّا على الرغم من العقوبات الأمريكية". في إشارة غير مباشرة إلى إمكان اعتبار أميركا إدخال النفط الإيراني برًا، بمثابة تهريب لا يتحمّل لبنان وزرها رسميًا، وبالتالي لا تنطبق عليه أي عقوبات.

وأوردت الغارديان أن واشنطن أعلنت أنها "قد لا تتدخل في رحلة الوقود إلى لبنان". وأشارت إلى تقليل أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية، من أهمية إدخال الوقود الإيراني إلى لبنان، لأنه "ليس حلاً مستدامًا لأزمة الطاقة في لبنان".

وبالتوازي، جاء إعلان السفيرة الأميركية دوروثي شيا موافقة بلادها على نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولاً إلى شمال لبنان، وعدم الاعتراض بصلابة على الخطوة الإيرانية، بمثابة موافقة على تخفيف وطأة الضغط على لبنان.

وبذلك، تكون إيران قد عرفت كيف تلعب ورقة رابحة في خضمّ شدّ الحبال بين طهران وواشنطن، والأخيرة ردّت بالسماح بجرِّ الغاز وعدم اعتبار إدخال النفط من سوريا كسرًا لقانون قيصر، وهو ما يشكّل أيضًا رسالة إيجابية إلى طهران تُستَعمَل في تسهيل إحياء الاتفاق النووي. فلا أميركا كسرت قانونها ولا إيران تحدَّت واشنطن، وإنما لعبت ضمن سياق عام مسموح به طالما أن الهدف الأبعد هو الاتفاق النووي.