النساء شقائق الرجال... "إلي آنج" تكسر الصورة النمطيّة للمرأة!

يفترض من المرأة في نظر المجتمع ان تكون هادئة، متزنة وحتى خجولة، والاهم "ست بيت" خاضعة لسلطة الرجل، والمطلوب أيضاً منها، ان تكون مهتمة بمظهرها الخارجي بعناية فائقة. في الحقيقة، هذه الصورة للمرأة تذكّر بمفهوم التمييز لجهة الصورة النمطية الجندرية، او الصورة الجنسانية او التنميط الجندري.

والصورة النمطية تعني الحكم الصادر لوجود فكرة محددة عن فئة مقصودة، فيعمد المدعي الى الباسها صفة الشمولية، او فكرة مسبقة تُلقي صفات معينة على كل افراد طبقة او شريحة ما.

هذا الجانب بالتحديد يعتمد على عدة عوامل تتنابَذ في جبروتها، فالعديد من الصور النمطية هي كناية عن موروث اجتماعي تراكمي، ناتج عن العادات والتقاليد والثقافة التي يتوارثها المجتمع بشكل متكرر من جيل الى آخر، وتؤدي في معظم الأحيان وبشكل تلقائي الى تكوين أنماط ثابتة تتعزز قوتها إذا ارتبطت بمفاهيم اعتاد عليها المجتمع.

صممت ونفذت!

واظبت إلي آنج وهبة ابنة الـ 20 ربيعا الذهاب مع والدها الى صالون التزيين الرجالي، لتراقب الحلاق كيف يشذّب الشعر ويعتني بالتفاصيل الأخرى مثل "الواكس"، تنظيف البشرة، إزالة الوشم وغيرها من الأمور. يعني انها دخلت عالم الحلاقة الرجالية وهي في عمر 14 عاما ، مع العلم انها كانت نشيطة في المدرسة وعلاماتها مرتفعة، ولكن لا شيء يبعثر الاحلام طالما وجدت العزيمة والإصرار.

ألي أنج قالت لـ "الديار": "ان فكرة فتح صالون للحلاقة الرجاليّة بدأت تتبلور في رأسي منذ سنة تقريبا، وهذا ما دفعني الى توفير المال الذي كان يصلني لافتتح مشروعي، كونه يتطلب رأسمال معين لم يكن متوافرا معي. لذا اعتمدت على نفسي، مع العلم انني لم احصل على الدعم من أي جهة ولا حتى من والدي. وإنجاز هذا العمل من الالف الى الياء كان بمجهود وتعب شخصي حصرا. ولا أنكر انني حرمت نفسي من أشياء كثيرة لأجهز الصالون واشتري العدة اللازمة من كراسي ومقصات ومنتجات ومكنات وغيرها من المستلزمات الأساسية التي قد احتاجها في هذه المهنة."

اضافت: "أجريت سلسلة من التمرينات لدى صالونات للتزيين الرجالي وعملت لديهم، ولكن بسبب الأوضاع المادية، فان المحل الذي كنت اشتغل فيه لا يستوعب موظَّفَيْن، لذا أجبرت على ترك العمل لأقبع في المنزل لفترة اسبوع، وهذا ما جعلني اشعر بالضيق والاكتئاب".

لا يأس!

اضافت إلي آنج: "ويوما وبينما كنت اغادر المنزل ، وقعت عيني على شقة ملاصقة لشقة والدي، وسألته لماذا لا افتتح محلي فيها، وهذا ما حدث بالفعل"، مشيرة الى ان الأمور كانت شديدة في بادئ الامر، والسبب يعود الى الازمة الراهنة التي أثرت على الجميع، وجعلتهم يفقدون الحماس لتخوفهم من فشلي وعدم قدرتي على الصمود والاستمرار، ولكن خابت كل التوقعات السيئة والسلبية التي كانت موجّهة ضدّي، وحققت هدفي ووصلت الى مبتغاي.

الرضى والقناعة

وتابعت: "اليوم عملي صار جيداً واشعر بسعادة لا توصف، ولا أنكر ان الرجال لم يتقبلوا وجودي، ولكن هذا ظل لفترة وانتهى، ورويدا رويدا أصبحت الامور تسير بشكل أفضل وبتّ مرتاحة ومطمئنة، وافرض رأيي برباطة جأش".

 ولفتت الى ان اول زبون كان والدي، ثم بدأ الزبائن بتناقل الدعاية للصالون وهكذا كبر مشروعي.

 اضافت: "نعم تعبت سنة لارتاح بقية الأعوام، واطمح الى العالمية من خلال افتتاح فرع في الخارج."

عُمر التهويل قصير

وقالت: "عندما انخرطت في هذه الوظيفة بشكل جدي في العام 2017، كانت الأمور معقدة أكثر. اما اليوم هذه الصورة النمطية عن الفتاة والمرأة انكسرت، وسأسعى الى انماء هذه المهنة وتطويرها، كما ان عدد الزبائن الى ارتفاع، وتقبّلي من جهتهم بات اسلس، والأمور أصبحت أسهل".

لا شيء مستحيل..

والإصرار يحقق المستحيل

واشارت الى انه في هذه الظروف، على المرء ان يبدأ من الصفر كما فعلت انا، عندما كنت موظفة كنت اتقاضى 5000 آلاف ليرة اسبوعياً، يومذاك كان الدولار على سعر صرف 1500 ل.ل. أي ما يوازي 20 الفا في الشهر، وهو ما يعادل 3 دولارات اسبوعياً، هذا المبلغ لم يكن يساوي شيئا يومذاك، ولكن صالوني اليوم يعمل كالنار.

وعن الخدمات المتوافرة في الصالون قالت: "يوجد آلة لنزع الشعر بالليزر، وأخرى لمســـح الوشم وتنظيف البشرة، وانا اليوم أعطي دورات لتلامذة، وأعلّمهم أصول وخفايا هذه المهنة ليكون هناك أكثر من إلي آنج في المجتمع".

مشوار الحلم يبدأ بخطوة!

اضافت: "لم احقق 10 في المئة من حلمي، واتطلع الى بسط رقعة مشروعي من خلال الوصول الى العالمية، فانا اعشق التحدي والتميّز ، ولا احبّ ان أقف عند حدود معينة. اليوم أصـــبح لدي زبائن يقصدون محلي القائم في منطقة كفرشيما من الشمال والجنوب وكسروان وزحلة ، وهذه الرسالة ليست لي فقط وانما للشباب اللبناني، وادعوهم الى المناضلة وعدم الاستسلام والعمل بجهد على تحقيق احلامهم مهما كبرت. وانا مع المساواة بين الرجل والمرأة".

وتروي حادثة طريفة حصلت مع أحد الزبائن حيث قال لها: "ان مكان السيدات هو المطبخ وليس صالون الحلاق". لكن تفاجأت عندما قام هذا الزبون بالاتصال بي وقدم لي التهنئة وتمنى لي التوفيق والنجاح والتقدم". وقالت: "لا اخفيكم سراً، ان هذا الكلام حرّضني وجعلني اتمسك بما أقوم به، وأصر على اثبات نفسي وقدراتي المهنية، وحتى ابعد من ذلك اسعى الى انجاز المساواة بين الجنسين، لان المرأة لا ينقصها من القوة والعزيمة شيئا".

وغمزت بالقول: " كلمتا القوة والعزيمة انثى ، لذا قد يكون لدينا ما يناهز الرجال".

وختمت: "عندما كنت اعمل كتلميذة حلاق، سمعت جملة من زبون يسأل رب العمل، لماذا تضع هذه الوردة بين كل هذا الشوك؟ كان يقصدني بكلامه وعنيَ بالشوك الذكور ، فاجابه صاحب المحل: لتكسر صلابة هذا الشوك"، واكدت إلي آنج ان هذا الكلام قد علّمَ بي ، وجعلني مندفعة نحو احراز المزيد من التقدم في هذه المهنة.