بعد حملة من الاعتراضات وردود الفعل المتباينة.. "باربي" تُربك الأهل

أثار قرار منع عرض فيلم "باربي" في صالات السينما اللبنانية، حملة من الاعتراضات وردود الفعل المتباينة بين مختلف فئات المجتمع اللبناني والعربي وحتى العالمي، ويشهد هذا الفيلم لمارغو روبي وريان غوسلينغ حالة من التخبط والتأجيلات في عدد من الدول العالمية والعربية على حد سواء.

كلمة "باربي" لطالما كانت مرتبطة بعالم الطفولة، الا ان فيلم "باربي" الحالي بحسب موقع "بيبول" يركز على العديد من القضايا، مثل تقبّل أنفسنا والآخرين والتنوع والشمولية، على عكس ما كانت تروج له دمى "باربي" في السنوات الأولى من اختراعها. بالإشارة الى انها منذ وجدت كانت شقراء وبيضاء البشرة، ما يعني انها تحاكي فئة محددة من الأطفال.

والفيلم الجديد يركز على موضوعات تتعلق بالأسئلة الوجودية ومعنى الحياة، وقد ظهر ذلك في المقطع الترويجي للشريط عندما سألت "باربي" اصدقاءها: "هل فكرتم يوما بالموت؟" هو سؤال باطنه عميق وابعد من الظاهر، ولكن هل يمكن ان يبرز هذا الاستعراض، والتناقض ما بين عالم الخيال الذي يركز على الاناث وواقع مجتمعنا الحديث، الذي لا يخلو من التحرش الجنسي والتنابُذ والنظرة الدونية الى المرأة؟

في سياق متصل، كان وزير الثقافة اللبنانية محمد وسام المرتضى وجه كتابا الى الامن العام لاتخاذ كل الإجراءات الضرورية، لمنع عرض الفيلم في الصالات اللبنانية وجاء في البيان: "لدى التدقيق، تبين ان فيلم باربي المزمع عرضه قريبا في دور السينما اللبنانية، يتعارض مع القيم الأخلاقية والايمانية ومع المبادئ الراسخة في لبنان، اذ يروج للشذوذ والتحول الجنسي، ويسوق فكرة بشعة مؤداها رفض وصاية الاب وتوهين دور الام وتسخيفه، والتشكيك في ضرورة الزواج وبناء الاسرة".

انطلاقا من كل ما تقدم، كيف يمكن للأهل شرح سبب منع عرض فيلم "باربي" في لبنان او حتى مشاهدته عبر "الانترنت"؟ وما هي أسباب لجمه؟ خاصة ان الفيلم حظي بحملة دعائية واسعة الى جانب ما تمثله هذه الدمية في مخيلة الكبار والصغار؟ وهل من الصائب تجميده وحجره وايقافه؟

هذه الأسئلة وسواها طرحتها "الديار" على الدكتورة في علم النفس والاجتماع غنوة يونس التي دعت بداية الى "تقبل كل انسان واحترام حريته وميوله الجنسية المغايرة، وهنا يجب تعزيز تقبل أصحاب الميول المختلفة وتوجيه الأطفال لادراك ان التنوع الجنسي طبيعي ومتعدد، قبل ان يحتكوا في المدرسة او الجامعة او العمل مع افراد مثليي الجنس. ومن الضروري ان نطور لديهم مفهوم الرضى بالآخر بغض النظر عن ميوله الجنسية".

الحقيقة لا شيء سواها

وشرحت يونس عن آلية اخبار الأولاد بالحقيقة فقالت: "يجب التحدث معهم عن الوقائع بصدق، ضمن إطار يتناسب واعمارهم وتوفير معلومات دقيقة ومقنعة، وينبغي على الاهل تشجيع أطفالهم على طرح الأسئلة لتعزيز التفاهم وتوطيد الثقة بين الجانبين".

وأوضحت "ان عرض هذا الفيلم وغيره من الأفلام، يمكن ان يؤثر سلباً في عقول الأطفال لجهة فهم بعض القضايا والرسائل التي يتضمنها. لذا يجب العمل على ارشادهم لفهم التنابُذ والاختلاف ما بين الواقع والخيال، وحثهم على اتخاذ قرارات منطقية تتعلق بمشاهدة المحتوى عبر "الانترنت"، فالرقابة عامل مهم في هذا المجال، ولا يجب التهاون بها في زمن الهاتف الخليوي والتابليت والانترنت والمحطات الفضائية المفتوحة والمشفرة، ناهيكم بنتفليكس وغيرها من المنصات".

اضافت "الفيلم الحالي ليس مخصصا للأطفال كما يتّضح من المقاطع الترويجية التي يتم بثها عبر مواقع التواصل والقنوات، لاشتماله على مشاهد تتعلق بتعاطي المخدرات، والالفاظ النابية الى جانب الترويج لحقوق المثليين، وقد لا يكون كذللك لان هؤلاء باتوا موجودين في المجتمع، ولا يمكننا التنصّل منهم او تجاهلهم او نبذهم بغض النظر إذا كنا نناصرهم ام لا".

التوعية والشرح

وحثّت يونس "على ضرورة توعية الأطفال والشرح لهم عن وجود فئة من المجتمع مغايرة، لذلك يجب عدم إطلاق الاحكام على اي شخص لا نعلم ما هي الظروف التي أوصلته الى هذه الحالة، ربما تعرض لتحرش جنسي او اغتصاب في الصغر، او لديه اضطراب جيني معين. أيضا يجب الا ننسى ان التربية لها تأثير في هذا السياق، كونها تؤثر سلبا او إيجابا في سلوك الأطفال في الكبر وتدفعهم الى الانحراف او العكس"، مؤكدة، "ان هذه الحالة لا يمكن ان تشتت العائلة لأنها قائمة ويجب تقبّلها".

بناء جسور الثقة بين الطفل والاهل

واكدت يونس "مدى أهمية بناء ثقة الطفل بنفسه، لأنها تجعله قادرا مهما كان صغيرا على ابداء مخاوفه حتى بالصراخ، ولا يخنع او يخضع لأي شعور هجين قد يستحكم به. وكذلك ثقة الطفل في والديه التي تجعله لا يخاف من اخبارهما بما حدث له، او حتى الشرح له عن المثليين، لان الاريحية في الحديث تنتج طفلا واثقا من خلال الرعاية والاهتمام والمشاركة. لذلك يجب تثقيف الاطفال عن الحالات المتنافرة او المتضادة في المجتمع، قبل ان يعلموا بها من الخارج، لتحصينهم من أي صدمات او أسئلة تدور في اذهانهم بلا إجابات مقنعة وشافية".

ونصحت الاهل "بعدم السماح للأطفال بمشاهدة فيلم باربي الحالي، خاصة ان الوقائع التي يتناولها غير حقيقية، وبعض الأفكار قد تسمم عقل الطفل. لذلك يفضل ابعادهم عن مشاهدة محتواه ، وفي حال إصرار المراهقين على مشاهدته، فيجب ان يكون بحضور الاهل وعليهم التأهب لأي سؤال او مشهد يفوق سنّهم، ليتدخلوا سريعا عن طريق اخبارهم ان هذه المشاهد هي تمثيلية، ولا تنطبق على ارض الواقع".

وختمت يونس قائلة "كل الأفلام التي تروج لفكرة معينة هدفها تحقيق الأرباح والمكاسب المادية، والمطلوب تفعيل الدور الرقابي للأهل، لان الأطفال هم أكثر عرضة من الفئات المجتمعية الأخرى للانصهار بما يشاهدونه".