النظام الجمركي معرّض للتوقف مجدداً.. والسبب 2 مليون دولار

عاد النظام الإلكتروني في إدارة الجمارك اللبنانية للعمل ليلة الثلاثاء الفائت، بعد توقف دام لنحو 4 أيام متتالية، خلّفت وراءها خسائر للمستوردين والوكلاء البحريين والمخلصين تقدّر بآلاف الدولارات، ومثلها أضعاف للدولة اللبنانية، نتيجة طعن الثقة بمرفأ بيروت والتعرض لسمعته. لكن المسألة لا تقتصر على تعطل النظام الجمركي وإصلاحه، فالعطل المفاجئ لم يكن الأول من نوعه ولن يكون الاخير حتماً، "فهو معرّض للتوقف في أي لحظة" على ما يقول مصدر جمركي، والسبب "2 مليون دولار".

أما سبب تعطّل النظام الجمركي فيعود لغياب الصيانة عنه. والأخيرة تنتظر تغطية تكاليفها. وهنا تكمن العلة. فمن هي الجهة المتعهّدة صيانة النظام الإلكتروني للجمارك؟ لماذا تتكرّر الأعطال؟ ومَن المسؤول عن وقوع الخسائر والإرباك الناتج عن توقف عمليات الاستيراد والتصدير؟

تعطل مستمر
تعطّل نظام الجمارك الإلكتروني منذ عدة أيام، وهو يدار من المركز المعلوماتي التابع لمديرية الجمارك، ما عطّل جهوزية البيانات الجمركية ومعها حركة الاستيراد والتصدير عبر كل المعابر الرسمية بحراً وبراً وجواً. استأنف النظام عمله ليلة الثلاثاء الفائت، بعد إصلاحه من قبل الشركة المتعهّدة عمليات الصيانة. وهو أمر يحصل مراراً، بمعنى أنها ليست المرة الأولى التي يتعطّل فيها نظام الجمارك.

تعود أعمال صيانة نظام الجمارك الإلكتروني إلى شركة HP العالمية، ممثلة بشركة ميدوير في لبنان. أما النظام المعتمد حالياً من قبل الجمارك في المعابر الحدودية، فيعود إلى العام 1997 وهو نظام قديم، يستلزم التحديث. ويقول مصدر جمركي في حديث إلى "المدن" أن النظام لا يستلزم التحديث فحسب، بل أيضاً يستلزم الصيانة الدورية، التي تشكل السبب المباشر لتوقفه عن العمل بين الحين والآخر. عازياً سبب التوقف عن الصيانة الدورية للنظام الإلكتروني، إلى تراكم مستحقات الشركة المتعهدة الصيانة على الدولة اللبنانية وبلوغها مليوني دولار.

يؤكد المصدر الجمركي بأن التأخر في إصلاح العطل الذي طرأ منذ أيام على النظام الإلكتروني، يعود إلى قرار ضمني اتخذته الشركة المتعهدة الصيانة بالتوقف عن العمل مع الدولة اللبنانية، بسبب تراكم المستحقات المالية في ذمتها. ولم يستبعد مصدر آخر أن تكون الشركة المتعهدة أعمال صيانة النظام الإلكتروني قد عطلت النظام الإلكتروني عمداً، في سبيل إطلاق جرس إنذار للدولة اللبنانية، لحث المعنيين على سداد مستحقات الشركة.

وتبلغ القيمة الإجمالية للعقد الموقع مع الشركة المتعهدة الصيانة مليوني دولار، أو ما يعادل 400 ألف دولار سنوياً لمدة 5 سنوات. وحسب المصدر، لم تدفع الدولة اللبنانية حتى اليوم أي من الدفعات الخمس.

حلول مؤقتة
ويفيد مصدر رفيع في مديرية الجمارك بأن المديرية عاجزة عن تأمين المبالغ المطلوبة للشركة، ولم تكن غائبة عن خطورة الوضع وهشاشة النظام الإلكتروني وحاجته للصيانة، "لذلك عمد المجلس الأعلى للجمارك إلى تحذير أطراف الإنتاج الذين يعملون في المرافئ والمعابر الحدودية، من احتمال وقوع أزمة ربطاً بحاجة النظام إلى الصيانة"، يقول المصدر. وعليه جرى عقد اجتماعات عديدة مع المعنيين لوضع حل، وكانت آخر الاجتماعات برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وحضور وزير المال وإدارة المطار والجمارك والمستوردين والوكلاء البحريين وغيرهم. وانتهى الاجتماع بالاتفاق على زيادة رسوم الخدمات في المرفأ بهدف تمويل صيانة النظام الإلكتروني للجمارك.

تلك الحلول المؤقتة لم تحل الأزمة بشكل نهائي، إنما أرجأت عملية توقف النظام الإلكتروني إلى وقت لاحق. ويتخوف رئيس نقابة الوكلاء البحريين في لبنان مروان اليمن من تجدد الأعطال في نظام الجمارك اللبنانية الإلكتروني، لما له من تداعيات سلبية على الوكلاء البحريين وعلى المرفأ وسمعته بالدرجة الأولى.

ويشدد اليمن في حديثه إلى "المدن" على ضرورة إيلاء أعمال صيانة النظام الإلكتروني للجمارك الأهمية القصوى، لحماية عامل الثقة في مرفأ بيروت، لما له من دور ريادي على خريطة المرافئ في المنطقة.

ويلفت اليمن إلى أهمية الحرص على سمعة المرفأ، "فالباخرة تصل إلى المرفأ ولا يكون هناك جهوزية لاستقبالها ولإعادة شحن البضائع للتصدير، فتعطّل الجهاز الإلكتروني يؤخر جهوزية البضائع، وهذا الأمر يرتب تكاليف على شركات الملاحة ممثلة بالوكلاء البحريين، كما يرتب مسؤولية على المرفأ للحفاظ على ثقة الشركات التي تعتمده كأحد أكبر المرافئ في المنظقة.

إيرادات المرفأ!
وكان وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال، علي حمية، قد أعلن تحقيق إيرادات عالية لمختلف المرافق الحدودية، لاسيما من مرفأ بيروت، حيث تم تحويل 13 مليوناً و500 ألف ليرة إلى خزينة الدولة خلال شهر آب الفائت.

من هنا، يسأل البعض أليس من واجب الجهات المعنية أن تنفق على عمليات صيانة نظام الجمارك والأجهزة المرتبطة بعمليات الاستيراد والتصدير بعضاً من الإيرادات؟ أقله للحفاظ على سمعة المرفأ وتأمين ديمومة مرور البضائع عبره.

المستهلك يدفع الثمن
دائماً ما ينعكس الإهمال أو سوء الإدارة على المستهلك النهائي، وهو ما يحصل حالياً في مرفأ بيروت، حيث يتعطل النظام الإلكتروني وتتأخر عمليات الاستيراد كما التصدير، ويتحمّل الثقل النهائي فيها المستهلك اللبناني.

يتركز عطل النظام الإلكتروني الجمركي على كافة المعاملات الجمركية، وليس على السكانر الكاشف للبضائع. ويوضح أحد المخلصين الجمركيين في حديث إلى "المدن"، بأن تعطل النظام يوقف إصدار "شرح إذن التسليم". وبالتالي، لا يعود باستطاعة المخلص إدخال البضائع. وبهذه الحالة تنتظر البضائع المستوردة الموجودة في المرفأ لأيام إضافية، وتستمر بسداد رسم "الأرضية" ورسوم التأخير. وتبلغ غرامات التأخير لأيام قليلة تزيد عن أيام الإعفاء، ما لا يقل عن 500 دولار للكونتينر، وفي نهاية المطاف تقع تلك الرسوم الباهظة على المستهلك النهائي، أي المواطن.