الهزّات تسحب اللبنانيين من همومهم المعيشية

منذ أسبوعين يعيش اللبنانيون في أجواء هلع وخوف، يستعيدون فيها مشاهد زلزال كهرمان مرعش التركي، في بلد يترنح على شفير الانهيار الاقتصادي والمعيشي. في حين لم يخرج مسؤول رسمي ليوضح للناس ما هو وضع لبنان الزلزالي، وما زاد الطين بلة أن الخبراء الجيولوجيين يدلون بأخبار متضاربة تضعهم في موقع المنافسة، ناهيك عن سيل من الإشاعات والتحليلات على طريقة التنجيم وعلم الغيب.

صحيح أن اللبنانيين خرجوا بأقل الأضرار المادية من زلزال تركيا وسوريا المدمر، لكن التداعيات النفسية كبيرة على كل الفئات والأعمار. وعند وقوع أي اهتزاز يهرع معظمهم إلى مغادرة منازلهم والمبيت في العراء رغم الظروف المناخية القاسية. فيما يقول كثر إن الخوف من الموت تحت الأنقاض أنساهم كل الكوارث الاقتصادية والنكبات المعيشية التي تلاحقهم منذ سنتين.

حالة الخوف طبيعية

وتشرح الاختصاصية النفسية نورما موصلي لـ القبس حالة الخوف التي يشعر بها المرء لحظة تهديد حياته بعامل طبيعي أو مفتعل بالطبيعية، ويتفاوت تأثير هذه الكوارث على الأفراد وفقاً لمناعة كل شخص وقوته النفسية ودرجة وعيه.

وتضيف موصلي أن أعراض الاضطرابات النفسية ما بعد الكوارث الطبيعية قد تدوم لأشهر وتظهر في الرغبة بالانعزال والاكتئاب والقلق وعدم التركيز. وأخطر ما فيها أن الملاذ الآمن الذي يشعر فيه المرء بالحماية، وهو منزله، يفقد هذه الميزة، ليصبح كل شيء من حوله خطراً ومهدداً بالسقوط.

الحلقة الأضعف

وتبقى الحلقة الأضعف في المدن والقرى التي تحوي أبنية متصدعة ومتهالكة، لا سيما في طرابلس وفي منطقة الأوزراعي، حيث رفع المواطنون الصوت مطالبين الدولة بإزاحة الخطر عنهم. رئيس بلدية الغبيري معن خليلي قال إن الوضع خطير جداً، نظراً إلى عدد الأبنية المهددة بالانهيار، موضحاً أن هناك مباني قد تسقط من تلقاء نفسها جراء عوامل كثيرة، ومنها الزلازل والهزات. وهناك أبنية بالإمكان ترميمها، وأخرى يجب إخلاؤها أولاً لترميمها، بالإضافة إلى مبان يجب هدمها ولا ينفع معها ترميم.

ميقاتي في مركز الجيوفيزياء

وأمس، تفقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المركز الوطني للجيوفيزياء واستمع إلى شرح مفصل عن عمل المركز، الذي يهدف إلى تقييم الخطر الزلزالي في لبنان، إضافة إلى دراسات برية وبحرية للفوالق الناشطة، ودراسة تشوهات القشرة الأرضية وقياس مستوى المد والجزر بواسطة جهازين، يرتبط أحدهما بشبكة إنذار التسونامي في البحر المتوسط.

وأشارت الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية تمارا الزين إلى أن عمل المركز يهدف إلى رصد الهزات وقوتها، كما يعمل على تطمين الناس.

600 هزة سنوياً

وفق الدراسات، فإن لبنان يسجل 600 هزة سنوياً لا يشعر المواطن إلا بـ 3 منها. ويسجل المركز الوطني للجيوفيزياء شهرياً ما بين 40 و60 هزة، قوتها أقل من 3 درجات على مقياس ريختر، ولا يشعر بها الناس، وهذا قبل أن يقع الزلزال في تركيا وسوريا.

أستاذ علوم الجيولوجيا في الجامعة اللبنانية سمير زعاطيطي شرح لـ القبس طبيعة نشاط الصفيحة العربية، وموقع لبنان منها، ومدى تأثره بالنشاط الزلزالي الذي عاد بقوة هذه المرة وجعل المنطقة عرضة لوقوع هزات جديدة. وطمأن إلى أن لبنان بعيد نسبياً عن المواقع الزلزالية الخطرة، وأن «فالق اليمونة خط زلزالي ضعيف»، لافتاً إلى أن الفوالق الزلزالية الرئيسية التي تمر بلبنان تتحرك بشكل دائم ومستمر، وتجعل لبنان معرضاً لهزات أرضية تتدرج قوتها بين 3 و5 درجات على مقياس ريختر.

ارتطام ثلاث صفائح

وعن قوة زلزال تركيا، أشار زعاطيطي مجدداً إلى أن هناك ثلاث صفائح ارتطمت ببعضها: الأناضول والأوراسية والعربية. وهذه منطقة نشطة زلزالياً.

وبالنسبة للبنان، فإنه يقع على خط زلازل البحر الميت، الممتد من خليج العقبة إلى تركيا، مروراً بلبنان، باسم فالق اليمونة الرئيسي، الذي تتفرع منه ثلاثة فوالق، هي: راشيا وسرغايا وروم. كما أن فالق اليمونة في لبنان ينزلق من سهل البقاع أفقياً باتجاه الشمال 9 مليمترات في السنة، لكنه لا ينتج زلازل قوية، لأن الصفائح في لبنان غير متصادمة وتحركها غير عنيف. ويشير زعاطيطي إلى أن ما حصل فجر أمس في صور هو هزة خفيفة، لأن فالق اليمونة له تفرعات حتى داخل البحر ولا تثير المخاوف.

تباعد الصفائح وتقاربها

وينطلق زعاطيطي من مسألة الصفائح التكتونية الشبيهة بـ«بلائط متحركة»، يمكن أن تحدث انزلاقاً أفقياً، وكل النشاطات الزلزالية والبركانية على سطح الكرة الأرضية موجودة بين الصفائح، أو على حدودها.

ويعطي مثالاً كيف أن أوروبا وأفريقيا تتباعدان عن أميركا الجنوبية والشمالية سنوياً، والبحر المتوسط يتوسع كل سنة بحدود عشرة سنتيمترات نتيجة تباعد الصفائح عن بعضها. البحر الأحمر كذلك وإنما بنسبة أقل (4 سنتيمترات)، مقابل وجود صفائح تقترب من بعضها كالصفيحة الهندية التي بقيت تاريخياً تزحف نحو آسيا حتى احتكت بها ونتجت عنها جبال الهيملايا.