المصدر: اللواء
الكاتب: صلاح سلام
الثلاثاء 3 حزيران 2025 07:50:39
في المشهد السياسي اللبناني المعقّد، تبرز العلاقة بين رئيس الحكومة نواف سلام وحزب الله كواحدة من أكثر العلاقات تناقضاً، حيث يخيّم على سطحها نوع من «الودّ الظرفي»، بينما تغيب عنها التفاهمات الحقيقية في العمق. هذا التناقض ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج لتوازنات داخلية دقيقة، ومصالح وطنية متشابكة، وإرث من الصراع والتسويات في لبنان.
الودّ القائم بين الطرفين يمكن وصفه بودّ الضرورة، أو «التعايش السياسي». فحزب الله، كقوة سياسية وعسكرية، يدرك أن رئاسة الحكومة تشكّل أحد المفاتيح الأساسية للحفاظ على الاستقرار الداخلي ومنع الانهيار الكامل، لا سيما في ظل أزمات اقتصادية غير مسبوقة، وضغوط دولية متزايدة. بالمقابل، يدرك رئيس الحكومة، أن أي محاولة لعزل الحزب أو تجاهله ستكون غير منطقية،ومحفوفة بالمخاطر، داخلياً وإقليمياً.
هكذا، يصبح هذا الود نوعاً من الاحترام المتبادل، القائم على إدراك كل طرف لحدود قدرته، وليس على انسجام فكري أو توافق في الرؤى.
رغم هذا «الاحترام الظاهري»، تغيب عن العلاقة أي ملامح لتفاهم استراتيجي فعلي حتى الآن. الخلاف الجوهري يتمحور حول ملفات حساسة، مثل مصير سلاح حزب الله، السياسة الخارجية، علاقة لبنان بمحور الممانعة المتهالك، وموقف الحزب من القضاء والإصلاحات المالية المطلوبة.
رئيس الحكومة، بحكم موقعه، يحاول التوفيق بين متطلبات المجتمع الدولي والدول الخليجية التي تشترط إنهاء ملف سلاح حزب الله، وتنفيذ سياسة إحتكار حمل السلاح بالدولة اللبنانية كمدخل للدعم المالي والمعنوي الذي يحتاجه البلد، وبين واقع داخلي يفرض التعاطي الواقعي مع الحزب. لكن الحزب يصرّ على تمسكه بثوابته، ويستمر في اتباع أجندته الإقليمية، ما يجعل رئيس الحكومة في موقف يتطلب جهوداً مضاعفة لتعزيز مكانة الدولة ودورها في ترسيخ الإستقرار، والعمل الدؤوب لبناء توافق وطني حقيقي حول متطلبات المرحلة الراهنة، وتوفير الظروف المناسبة لتوفير المساعدات الضرورية لإطلاق ورشة الإعمار.
أحد مظاهر غياب التفاهم أن الخطابين الصادرين عن الطرفين لا يلتقيان فعلياً. ففي الوقت الذي يتحدث رئيس الحكومة عن السيادة والحياد وحصر وجود السلاح مع الدولة، يؤكد الحزب على التمسك بخياراته الإقليمية. وبينما يحاول رئيس الحكومة فتح نوافذ الدعم الخارجي عبر بوابات عربية وغربية، يجد نفسه مكبلاً بملف داخلي معقد بسبب وجود سلاح الحزب.
الاستمرار في هذا النوع من «التفاهم المفقود»، رغم «الود الموجود»، لا يمكن أن يؤسس لحل مستدام. المطلوب هو حوار صريح يعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمكونات السياسية الفاعلة، ويفتح الباب أمام تفاهم وطني حقيقي حول القضايا الملحَّة، لا مجرد تفاهم ظرفي ينهار مع أول خلاف جدي.
لبنان بحاجة إلى شراكة سياسية قائمة على المصارحة، لا المجاملة، وعلى إعادة الاعتبار لمفهوم الدولة، لا لتوازن القوى داخلها، وعلى وضع مصالح البلد العليا فوق كل المصالح الحزبية والفئوية.