اليونيسيف ليست بديل الدولة: مصير الأساتذة بيد ميقاتي و"صيرفة"

يدفع أساتذة لبنان فاتورة عدم وجود شفافية مالية في وزارة التربية، وثمن الهدر والفساد في مختلف القطاعات، كانت إحدى نتائجها عدم مساعدة وزارة التربية على دفع حوافز بالدولار للهيئات التعلمية. فرغم أن الدول المانحة لا تقدم مساعدات مباشرة للأساتذة، بل للطلاب، كون المسألة تتعلق بسيادة الدول، التي يفترض بها تأمين رواتب الموظفين، إلا أن عدم الشفافية في صرف المساعدات السابقة، جعلت الدول المانحة تحجم وتخفض تمويلها لقطاع التربية.

تعزيز الشفافية
وقد أتى كلام الممثلة الخاصة لليونيسيف في لبنان إيتي هيغنز، مساء أمس الإثنين ليؤكد أن لبنان ليس معاقباً من الدول المانحة، كما أشاع البعض. وبدا واضحاً من كلام الممثلة الأممية أن ما يعوز وزارة التربية هو الشفافية المالية. وقد أعلنت هيغنز عن "خطوات لتعزيز الشفافية في صرف الأموال للقطاع التربوي في لبنان"، وقالت: "في الأشهر المقبلة، لدينا 24 مليون دولار أميركي سيتم صرفها مباشرة للمدارس، وذلك من خلال شركة رقابة تعاقدت معها اليونيسيف والمجتمع الدولي، حيث نقوم بمراقبة صرف هذه الأموال مباشرة على مستوى المدارس، وذلك وفق المعايير المتفق عليها مع وزارة التربية والتعليم العالي. ولقد أخذنا عدداً من الخطوات لضمان الشفافية وتعزيز الشفافية والمحاسبة لكافة الموارد المالية التي يتم توجيهها نحو قطاع التعليم في لبنان".

ووفق مصادر "المدن" سيتم تعزيز الشفافية من خلال "الصندوق الائتماني للتربية" (TREF)، وذلك بغية تحسين صرف الأموال المخصصة للمدارس والمعلمين، التي ستدفع بناء على أداء كل مدرسة على حدة. فالهدف هو ضمان المساءلة والشفافية بما يتعلق بالاستثمارات والنتائج المحققة في تعليم جميع الأطفال.

وأوضحت هيغنز أن "التأخير في حصول بعض الأساتذة على مستحقاتهم سببه التأخر أحياناً في إدخال البيانات وساعات التعليم والحضور"، مؤكدة أن "اليونيسيف ما زالت ملتزمة بتلبية الاحتياجات التربوية للاجئين السوريين والأطفال اللبنانيين". لكنها شددت على أن "اليونيسيف لا يمكن أن تستبدل أو تحل محل الدولة في لبنان، وهي موجودة لتقديم الدعم في الأدوات التشغيلية والموارد المالية والاستشارات الفنية والتقنية للكثير من القطاعات، وما زلنا ملتزمين بالقيام بذلك. ولكن لا يمكننا أن نحل محل الدولة، لذلك ندعو لإيجاد حلول مستدامة. وقد دعونا الى إصلاحات اقتصادية شاملة على مستوى البلاد".

التعويل على الحكومة
في النتيجة لا عودة إلى المدارس في القطاع الرسمي قبل تحسين ظروف عيش الأساتذة. ورغم أن وزارة التربية أمنت لهم حوافز تصل إلى نحو تسعين دولاراً للأشهر المقبلة، إلا أن ارتفاع سعر صرف الدولار وتآكل مساعدات الدولة (الرواتب الثلاثة) وغلاء سعر المحروقات، وضعت روابط المعلمين أمام خيارين: إما مجاراة الوزارة والضغط على الأساتذة للعودة القسرية، أو الرضوخ أمام غضب الأساتذة ورفض العودة إلى المدارس قبل تحسين واقعهم المعيشي. لذا قررت الروابط الرضوخ كي لا تخسر المزيد من شعبيتها، خصوصاً أن كل موظفي القطاع في إضراب متواصل منذ أسبوعين.
وزير التربية عباس الحلبي أمن مبالغ من الدول المانحة لدفع الحوافز الآنفة الذكر، من صناديق المدارس، التي تدعمها اليونيسف. لكنه يعول على الحكومة بدفع المتبقي من المبلغ المطلوب لنحو 57 ألف أستاذ وموظف وعامل، بكلفة بنحو 25 مليون دولار. وأدرك الحلبي أن هذه الحوافز لن تكون كافية لعودة الأساتذة إلى المدارس. لذا أرجأ إطلاق خطته التي كان سيعرضها على روابط المعلمين وذلك في انتظار ما ستقدمه الحكومة، تشير مصادر متابعة.

سعر صيرفة خاص بالأساتذة
سبق وعرض الحلبي أفكاراً على الأساتذة وجوبهت بالرفض. وأدرك أن إطلاق المزيد من الوعود والخطط لن يكون مجدياً، خصوصاً أن روابط المعلمين قررت عدم العودة إلى التعليم إلا بعد استفتاء الأساتذة حول المطالب التي رفعتها مؤخراً للحكومة: ست ليترات بنزين عن كل يوم حضوري، وخفض دولار صيرفة لهم إلى 15 ألف ليرة، ودعم الاستشفاء. وبالتالي، باتت الطابة في ملعب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
من ناحيته أكد الرئيس ميقاتي، في خلال رعايته حفل إطلاق "الاستراتيجية الوطنية للقطاع الصحي - رؤية 2030"، اليوم الثلاثاء في 31 كانون الأول أنه "في صدد إعداد الملف التربوي المتعلق بإضراب المدارس الرسمية وملف الجامعة اللبنانية. وتسلم الاقتراحات المطلوبة من معالي وزير التربية تمهيدا للدعوة الى جلسة حكومية ثالثة هذا الاسبوع او مطلع الاسبوع المقبل بأقصى حد".
روابط المعلمين طالبت الحلبي بتعليق العام الدراسي ورفع المسؤولية عن كاهل وزارته. فمصير العام الدراسي بات مرتبطاً بما تقدمه الحكومة، تقول مصادر الروابط، وتضيف أنه عندما أقرت المساعدات كان الدولار في السوق السوداء بنحو ثلاثين ألف ليرة، فيما بات اليوم نحو ستين ألف ليرة، أي أن المساعدات ذابت حتى قبل وصولها إلى الحسابات المصرفية للأساتذة. وبالتالي أي حل للعودة إلى المدارس يمر بتثبيت سعر صيرفة للأساتذة لضمان عدم ذوبان مساعدات الدولة مع كل اضطراب في سعر صرف الدولار.