حتى صباح أمس لم تكن نتائج الإنتخابات البلدية في مدينة طرابلس قد صدرت بشكل نهائي وحاسم. ومع صدورها ليلا بدأت تتكشف مواقع الخلل والفوضى التي تسببت في هذا التأخير، وبرزت مجموعة أسئلة حول التداعيات التي أفرزت أولا عن اتخاذ مجلس الوزراء قرارا بوضع محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا بالتصرف وثمة كلام عن إقالته ووضعه في الإقامة الجبرية إلا ان مصادر رسمية نفت الأمر وأوضحت أن إقامته في المنزل بهدف حمايته!.

بحسب النتائج الرسمية حصلت لائحة "رؤية طرابلس" المدعومة من النوّاب فيصل كرامي وأشرف ريفي وطه ناجي وكريم كبّارة على 12 عضواً، فيما فازت لائحة "نسيج طرابلس" المدعومة من النائب إيهاب مطر ومجموعة "عمران" وبعض المجموعات الإسلامية، بـ 11 عضواً، واقتصرت نتائج لائحة "حراس المدينة" على عضو واحد فهل سيتمكن هذا الموزاييك البلدي الذي ولد على نار الفوضى والشوائب في إنجاز مهامه أو سينتقل المشهد إلى داخل المجلس البلدي على مدى 6 سنوات إذا صمد بكامل عضويته؟

الكاتب السياسي أحمد الأيوبي يوضح لـ"المركزية" أن القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء بوضع محافظ الشمال رمزي نهرا بالتصرف جاء على خلفية ممارسات نهرا وإخفاقاته التي تجلت في الإنتخابات البلدية، علما أنه "من لحظة وصوله بدأت تتجلى هذه الشوائب سواء في الفوضى والفساد وتجيير العمل البلدي لحسابات سياسية وحزبية لا تمت إلى مدينة طرابلس بصلة. ومع انطلاق العملية الإنتخابية صباح الأحد الماضي فوجئ أهالي طرابلس بالفوضى في مراكز الإقتراع بسبب ممارسات نهرا إذ ترك الموظفين الذين وصلوا إلى المدينة لتولي مهامهم في العراء.ولولا نخوة أبناء المدينة لكانوا أمضوا الليل بكامله في العراء.

هدف نهرا بحسب الأيوبي كان واضحا"حث الموظفين على العودة واستبدالهم بآخرين موالين له ، وهذا ما يفسر نسبة الأخطاء التي حصلت خلال عملية الفرز في مراكز الإقتراع بعد إقفال الصناديق والكوارث في عملية احتساب الأصوات. بسبب دعمه الكامل للائحة الأحباش التي أمن لمرشحيها 1500 مندوب في حين اقتصر عدد البطاقات التي وزعها على مندوبي لائحة"نسيج" على 400 بطاقة عدا عن أنه لم يسلم البطاقات للمندوبين إلا بعد فتح الصناديق بحيث باتت لزوم ما لزوم له".

أصوات أبناء مدينة طرابلس التي طالبت بإعادة إجراء الإنتخابات البلدية في طرابلس فوجئت برفض وزير الداخلية أحمد الحجار، إذ أعلن قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء، أن كل الاصوات موجودة "ما في شي تبخر" وقمنا باعادة الفرز بالكامل في بعض الأقلام ولكن لا تزوير". وردا على سؤال عن اعادة الانتخابات فرعيا، قال الحجار: "وزارة الداخلية لا يحق لها أن تعيد الانتخابات، ولينتظر من يرغب بالطعن صدور النتائج لتقديم الطعون أمام مجلس شورى الدولة".

"قرار غير منطقي" يقول الأيوبي معللاً موقفه بأن"الطعون التي ستُقدم أمام مجلس شورى الدولة لا تعوض مسألة الفوضى في عملية توزيع المندوبين واستبدال الموظفين علما أنها تقع أولا وأخيرا على المحافظ. إلا أن الشفافية التي يتكلم عنها الحجار منوطة فقط بمرحلة الفرز في السرايا من دون الأخذ بالفوضى في فرز الأصوات في مراكز الإقتراع ومجلس شورى الدولة سينظر في الحسابات من دون الغوص في الشوائب التي أدت إلى هذه النتائج".

وإذ يؤكد الأيوبي على أن الخطأ يحصل في كل الإنتخابات والخلل لا يقع حتما على وزير الداخلية الذي يؤكد على الشفافية، إلا أن الإعتراف بالخطأ ليس خطيئة ومن دواعي الشفافية أن تعاد الإنتخابات".

الفائزون في انتخابات المجلس البلدي اليوم أمام استحقاق انتخاب الرئيس خصوصا أن النتائج "التي يبدو أنها نهائية أظهرت أن الإنتخابات كانت سياسية بامتياز بدليل محاولة إظهار "الكل فائز" فعدالة العملية الإنتخابية والشفافية التي يفترض أن تكون سائدة تنتهي "بـ رابحين وخاسرين". فهل يعاد النظر بانتخابات بلدية طرابلس؟

"الأمور واضحة. لن تعاد الإنتخابات في مدينة طرابلس فرعيا إلا إذا وصلت الأمور إلى حد استقالة عدد من الأعضاء الفائزين وتطيير النصاب في المجلس البلدي لكن هذا الخيار ليس سهلا وأستبعد حصوله.

ومع طي الصفحة بدأت الأنظار تتجه نحو كيفية عمل المجلس البلدي الجديد "أولا هناك معضلة الرئاسة وأخشى أن نقع من جديد في دوامة الإتقسام التي سادت المجلس سابقا" ، واستطرادا يشير الأيوبي إلى دور المجتمع المدني الذي تساوت أصواته مع الفريق السياسي وهذا انتصار بحد ذاته ويؤسس للإستحقاقات المقبلة في   طرابلس" .

مع صدور النتائج الرسميّة والإعلان عن فوز سبعة مخاتير من جبل محسن ذي الغالبية العلوية، وسبعة مخاتير من باب التبانة ذي الغالبيّة السنيّة، في سابقة من نوعها، توتّرت الأجواء على مواقع التواصل الاجتماعي بين أبناء المنطقتين، فيما جرى تداول مقاطع فيديو تتضمّن عبارات مسيئة إلى أبناء الطائفة العلويّة. ولاحقا انتقل هذا التوتر إلى الشارع، حيث تجمّع بعض أهالي جبل محسن لقطع الطرقات، قبل أن تتدخّل فاعليات المنطقة ورجال الدين لحثّ الأهالي على الخروج من الشارع وتهدئة النفوس، مؤكدين عدم قبولهم بالانجرار إلى الفتنة الطائفيّة.

نافيا أن ينسحب التوتر الذي ساد ليلا في شوارع باب التبانة بين أبنائها وأهالي جبل محسن يختم الأيوبي "المطلوب إعادة النظر في حسابات وتحالفات الإنتخابات البلدية وتحريرها من السيطرة السياسية والإثارة الطائفية ماذا وإلا فلتتحمل الأحزاب التي أوصلت المجالس البلدية في كل الأقضية عن فشل أو نجاح الأداء فيها وهذا ما يجب أن يركز عليه الرأي العام بعد إقفال كل الصناديق وصدور النتائج".