انتخاب المقيم: إصلاح مؤجّل على عتبة الديمغرافيا

انطلق قطار الانتخابات البلدية في البلدات اللبنانية، وعلى هامش الاستحقاق مواطن مقيم، يعيش الانفصام الديمقراطي، بين بلدة يعيش فيها ويدفع ضرائبها ويؤثر إنماؤها في مفاصل حياته اليومية بشكل مباشر، وبين بلدة نائية ربّما يزورها مرة واحدة في الاستحقاقات الانتخابية، وربما لم يزرها من قبل أو يتعرف إليها. نتحدث هنا عن إشكالية انتخاب المقيم، وحقه في تقرير مصير البلدية التي يعيش فيها، وهو الإصلاح الانتخابي المؤجل لأسباب ديمغرافية طائفية بحتة.

في هذا التقرير نبحث في التحديات التي تمنع انتخاب المقيم في مكان السكن، أين هذ الإشكالية في القانون، أم في السياسة، أم في النظام الطائفي السائد، ماذا تقول الكتل النيابية بطوائفها المختلفة، وهل هو طرح مثالي بعيد المنال؟

يفسّر وزير الداخلية والبلديات الأسبق مروان شربل الإشكالية ويقول "هم يعتبرون في أماكن معينة لأسباب طائفية وأسباب مذهبية أو ديمغرافية أن ابن المنطقة هو من يحق له تقرير مصير البلدية التي ينتمي لها، لا المقيم، وأن عكس ذلك قد يخلق حساسايات أو إشكاليات بين المقيمين وأهل المنطقة الأصليين. علماً أن المنطق، يقول أنه يجب الانتخاب حيث يدفع المواطن ضرائبه ورسومه البلدية". ويؤكد شربل أن قانون الانتخابات البلدية كله بحاجة "لنسف"، حيث فيه الكثير من الإشكاليات، وهذه الإشكالية ليست أوّلها.

"نفضة" في القانون

 المديرة التنفيذية في الجمعية اللبنانية من أجل مراقبة ديموقراطية الانتخابات «LADE» ديانا البابا، توضّح بدورها أن الاقتراع في مكان السكن اليوم هو من أحد الأمور التي تم الحديث عنها على المستوى البلدي "لاسيما أن لدينا العديد من المواطنين غير موجودين في مناطقهم وبالتالي هم سكان مناطق أخرى يدفعون ضرائب لهذه البلديات الأخرى، والمشكلة بهذه الحالة أنهم لا يستطعيون محاسبة الجهة التي يدفعون لها الضرائب". وتشير إلى أنه ظهر في الماضي عدة اقتراحات لإشراك هؤلاء في العملية الانتخابية بشكل صحيح، ومنها على سبيل المثال تخصيص بعض المقاعد وليس جميعها في المجلس البلدي للمقيمين "لكن مع الأسف نحن ما زلنا بعيدين عن هذا الطرح فعلياً، فهذا الطرح مثالي وبالأخص لوجود العديد من المخاوف لدى أبناء المناطق، منها مخاوف طائفية" ولهذا ترى البابا أن المشكلة ليست في سهولة أو صعوبة التطبيق بل هي في الرأي العام الذي يجب أن يكون مسانداً لهذا الإصلاح "وهنا يجب أن يتم تنفيذ ورش عمل توعوية ودراسات مكثفة على كيفية التطبيق بشكل يكون فيه هذا الطرح مقبولاً من الرأي العام اللبناني بالدرجة الأولى ".

وتؤكد البابا أن الموضوع البلدي كله بحاجة لنفض "وفي البداية يجب أن يكون لدينا قانون خاص بالانتخابات البلدية، فنحن ملحقين للقانون 44/2017 الذي هو آخر تعديل، وهو مرتبط بالانتخابات النيابية، فمن المفترض قبل أن نصل لمقاعد المقيمين يجب أن يكون لدينا طرح خاص فيما يتعلق بقانون انتخابات بلدية جديد ومعاصر، وأي قانون انتخابات للبلدية لا يعالج النظام الانتخابي المعتمد وتقسيم الدوائر الانتخابية بما يتلائم مع مشروع الدولة الذي هو اللامركزية الإدارية هو قانون يكرّس مراوحتنا في مكاننا".

ماذا تقول الكتل النيابية؟

وفي استطلاع رأي عشوائي مع عدد من النواب من مختلف الطوائف، جاءت الآراء كالتالي:

النائب المستقلّ إبراهيم منيمنة:

  • اقتراع المقيم في البلدية التي يسكن بها هو مبدأ أساسي بفكرة الدولة وبصلب العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة.
  • المواطن له الحق بمراقبة عملية الإنفاق في البلدية التي يدفع لها الضرائب، وهو المبدأ الذي كان مطبقاً تاريخياً في لبنان.
  • الأحزاب الحالية تفضل إبقاء الوضع القائم كما هو عليه اليوم والانتخاب على أساس طائفي ومناطقي.
  • لا بد من الدفع باتجاه هذه الخطوة الإصلاحية بطريقة منطقية وعلمية مدروسة تمنع لأحزاب التقليدية الطائفية من التغطية عليها وتشويهها بخلفياتهم الطائفية.

عضو كتلة الكتائب اللبنانية النائب الياس حنكش:

  • الوضع الحالي يكرّس مفهوم الزبائنبة، إذ يتعذرعلى الشخص الاستفادة من وجوده في المنطقة لأن رئيس البلدية (وهذه ممارسة أصبحت آفة في كل البلديات الكبيرة)، لا يهتم إلا بالاحياء الذين يصوتون في بلدته (أولاد ضيعته). ولذلك يتم حرمان الشخص الذي يقوم بواجباته ويدفع الضرائب البلدية وغيرها من الرسوم على أكمل وجه من خدمات الأحياء.
  • الممارسة الحالية تشجّع على سياسة شراء الأصوات في الانتخابات، ممثلاً يوجد 100 صوت من ثلاث عائلات يعيشون خارج منطقة معينة يأتون فقط في وقت الانتخابات ويغيرون النتيجة لحسابات طائفية أو عائلية أو لاستفادة مالية ويعودون إلى مكان سكنهم.
  • من هنا يجب الاتجاه نحو هذه الخطوة الإصلاحية، ويوجد بلدان أخرى لديها نفس الحالات ونستطيع أن نقتبس منهم و نشرع على أساسهم ويكون هناك قوانين انتخاب عصرية.

عضو كتلة "التنمية والتحرير" فادي علامة:

  • العالم أجمع يعرف أن التصويت يكون في مكان الإقامة لأن التفاعل والتواصل يكون مع البلديات في مكان السكن، حيث ندفع الضرائب في المدينة التي نعيش بها.
  • في لبنان يجب أن يكون هناك تعديلات كبيرة كي يسمح القانون بهذا، ولكن للاسف معايير التركيبة اللبنانية الفريدة من طوائف و مذاهب وخصوصية معينة لا تسمح بذلك.

عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبدالله:

  • يجب أن يكون الحل لهذه الإشكالية عبر تطبيق اللامركزية، ويجب أن يناقش بثقة وبجدية عندما نذهب لمناقشة اللامركزية.
  • هذه الإشكالية نوقشت سابقاً، باللجنة الفرعية التي ناقشت اللامركزية، ولكن للأسف تركيبة البلد الطائفية والمذهبية هي العائق أمام ذلك.
  • نحن ككتلة مع العلمنة الكاملة، ونتمنى أن نخلص من الطائفية، التي هي سرطان النظام اللبناني وهي التي تعيق أي تطوير وتقدّم.

 

اختلال التوازنات الطائفية

الدكتورة ميرنا زخريّا، مُحاضِرة جامعية وباحثة في عِلم الإجتماع السياسي، تشدد على أن العملية الانتخابية هي بمثابة استحقاق يتيح للمواطن أولاً "المشارَكة" حينما يدلي بصوته وثانياً "المحاسَبة" حينما يسائل حيال الشأن العام، ولذلك فإن معظم الدول تربط مكان الإقتراع بمكان الإقامة الأساسي سيّما أنه المكان حيث تُدفع الضرائب "أما في لبنان، فكل موضوع له صلة باختلال التوازنات الطائفية القائمة، ولذلك نراه يبقى مؤجلاً إلى أجلٍ غير محدّد". وتفسر في حديثها أن حريّة الاقتراع بين مكان القيد ومكان السكن يصعّب قدرة الاحزاب والسياسيين على السيطرة على خيار الناخب، لأسباب عدة، أبرزها كما تفنّدها زخريّا:

  • المكَنات الانتخابية غير مجهّزة للتعامل مع هذا الوضع وذلك على غرار الناخب المغترب الذي يحتاج لعملية تواصل خاصة.
  • التوجّه للمقترعين في أماكن قيدهم يقوم عامةً على قاعدة الجماعة كالعشيرة والعائلة بينما مخاطبة المقترع غير المقيم في مكان قيده تكون بصيغة الفرد وليس المجموعة ما يتطلّب أسلوباً مختلفاً لإقناعه.
  • ليس لكل الأحزاب منتسبين ومناصرين في كافة المناطق وقد لا يكون لها حلفاء ونشاطات في عدد من المناطق، الأمر الذي سيحدّ من تأثيرها على هؤلاء الناخبين والاستفادة من أصواتهم.
  • التغيير الديمغرافي ذو الطابع الطائفي أثره سلبي على الأحزاب الطائفية، إذ سوف يُدخل مكوّن جديد لا يناسبه ولا يقنعه الخطاب المعتمد.

وترى زخريّا أن الحل يكمن في الجديّة في إيجاد حل يتطلّب "تحضير الأرض" عبر خطوات مرحلية انتقالية "تبدأ بخطوة قريبة المدى قوامها التصويت من مكان السكن لمقعد في مكان القيد، تمرّ بمرحلة تطبيق أحكام الدستور من إقرار اللامركزية وإلغاء الطائفية، لبلوغ خطوة بعيدة المدى قوامها هذه المرّة التصويت من مكان السكن لمقعد في مكان السكن".

.............

تم إعداد هذا التقرير ضمن مشروع "إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان". موّل الاتحاد الأوروبي هذا التقرير، وتقع المسؤولية عن محتواه حصراً على عاتق "مؤسسة مهارات" وهو لا يعكس بالضرورة آراء الاتحاد الأوروبي.