انحسار مياه المتوسط... لماذا أثارت الظاهرة المعتادة القلق الآن؟

يكون انحسار المياه بشواطئ البحار بعد حدوث الزلازل مقدمة لكارثة «تسونامي»، إذا توفرت شروط معينة. وعلى الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على وقوع زلزال سوريا وتركيا، وعدم توفر هذه الشروط، فإن مشهد المياه المنحسرة في بعض شواطئ البحر الأبيض المتوسط بمصر ولبنان، أثار مخاوف «ليس لها أساس علمي» من احتمالية حدوث هذه الكارثة.

وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد تراجع مياه البحر وانخفاض مستواه، بمحاذاة الخط الساحلي اللبناني، وفي شواطئ مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، وهو ما أعاد إنتاج تلك المخاوف التي غذتها تصريحات تركية متسرعة بعد وقوع الزلزال، تم التراجع عنها سريعاً.

و«التسونامي» مجموعة من الأمواج العاتية تنشأ من تحرك مساحة كبيرة من المياه، وأحد أسبابه الزلازل، ولكن بشرط أن يكون مركز الزلزال قاع البحر، وأن تكون حركة القشرة الأرضية أثناء الزلزال عمودية وليست أفقية، وهو ما لم يتحقق في الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 فبراير (شباط) الجاري، كما تقول إلهام محمود، خبيرة البيئة وعلوم البحار بالأمم المتحدة، والأستاذة بـ«الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء» بمصر.

وتضيف إلهام في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «عملت لسنوات طويلة في جامعة العريش، ومشهد انحسار المياه نتيجة عوامل مثل المد والجزر، كان من المشاهد المعتادة، ولكن يبدو أن الخوف من تبعات زلزال تركيا، جعل الناس يركزون مع أشياء لم تكن في السابق تلفت انتباههم».

وتؤكد خبيرة علوم البحار أن 85 في المائة من حركة القشرة الأرضية خلال زلزال سوريا وتركيا، كانت حركة أفقية، والبقية كانت حركة عمودية، و«التسونامي» ينشأ عندما تكون الحركة عمودية بنسبة أكبر، وهو ما دفع تركيا إلى التراجع السريع عن التصريحات المتخوفة من حدوث «تسونامي».

وأطلق تلك التصريحات مدير مرصد ومعهد «كانديلي لأبحاث الزلازل» هالوك أوزن، بعد الزلزال، وقال إن هناك «تسونامي» يهدد دول البحر الأبيض المتوسط مثل مصر ولبنان. وعلى الرغم من تراجع تركيا عن تلك التصريحات بعد تكشُّف مزيد من البيانات عن الزلزال، فإنها لا تزال تجد صدى، ويتم استدعاؤها لتفسير مشاهد كانت تمر على أعيننا دون أن نركز معها، مثل مشهد تغير لون البحر في محافظة الإسكندرية (شمال القاهرة) الذي تم ربطه هو أيضاً بحدوث الزلزال، كما توضح خبيرة علوم البحار.

وتقول إنه «عندما تتوفر الظروف المناسبة لحدوث (تسونامي) عقب وقوع الزلزال، يكون ذلك خلال يوم على الأكثر من وقوع الزلزال، بينما مر حتى الآن أكثر من أسبوعين، لذلك لا توجد أي مخاوف على الإطلاق».

وتابعت: «أطمئن سكان المتوسط بأن نوع الإزاحة المعروف في المنطقة هو النوع الأفقي وليس العمودي، وبالتالي لن يحدث (تسونامي) مستقبلاً في المنطقة».

وبالإضافة لهذه الأسباب التي ذكرتها خبيرة علوم البحار، إلهام محمود، فإن هناك سبباً آخر، يشير إليه شريف الهادي، رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، وهو مصدر الزلزال.

ويقول الهادي لـ«الشرق الأوسط»: «مصدر الزلزال كان سببه أحد الفوالق البعيدة عن البحر، ولكن لأن هذا الفالق يتقاطع مع آخر يمر عبر البحر، ظن المسؤولون الأتراك أنه يمكن أن يكون له تأثير في حدوث هزات ارتدادية مصدرها البحر، ولكن هذا لم يحدث».

من جانبه، يقول عمرو زكريا، رئيس معهد علوم البحار المصري، إن الانحسار في المياه، حدث بشكل تدريجي، حتى قبل الزلزال، وليس فجائياً؛ لكن التصريحات التي خرجت بعد الزلزال عن احتمالية حدوث «تسونامي»، جعلت هناك ربطاً بين مشهد انحسار المياه والزلزال.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا المشهد متكرر؛ ليس في مصر ولبنان فقط، ولكن في كل دول البحر المتوسط، ولكن بنسب مختلفة»، موضحاً أنه «مفيد للشواطئ المصرية».

وأضاف: «هناك شكوى متكررة من تداعيات تغير المناخ، وتسببه في ارتفاع مستوى سطح البحر الذي يؤدي لتآكل الدلتا، ولكن ما يحدث الآن أن هناك انحساراً في مياه البحر».

ولا ينكر رئيس معهد علوم البحار أن الانحسار الواقع حالياً يفوق ما هو معتاد في السنوات السابقة، لذلك فهو يخضع حالياً لدراسة مستفيضة من جانب باحثي المعهد، وسيتم إعلان نتائجها فور الانتهاء منها.