بانتخابات ومن دونها... التحوّل اللبناني حاصل!

ليس، ولن يكون، استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان، في موعده المحدد مبدئياً في أيار من السنة المقبلة، تجربة منعزلة عن تاريخ طويل ومعقد من التجارب المفصلية التي كانت تبعاً للمراحل المتقلبة، سلماً وحرباً وما بينهما، ترسم مسارات لبنان.

ولكن مجريات الواقع الراهن في لبنان، منذ ما بعد توقف الحرب الإسرائيلية الشاملة على "حزب الله"، وتحولها إلى حرب استنزاف طويلة المدى للحزب ومناطق انتشاره، ثم بدء ولاية العهد والحكومة الجديدين، وما يتخلل كل ذلك من تطورات داخلية وخارجية تحكم وتؤثر في الوضع الداخلي، تجعل الانتخابات النيابية المقبلة عنواناً لـ"التحول الكاسر" في واقع توازنات البلد ووجهته، لا سلطته فحسب، بل ونظامه برمته أيضاً.

والحال أن أسبوعاً واحداً من التجاذبات ومعارك لي الذراع "وإثبات الكلمة" بين كتل ونواب من الاتجاهات المناهضة بقوة للثنائي الشيعي ورئيس البرلمان الأعتق ولاية في العالم، والمقيم منذ 33 بلا أيّ منازع على كرسي الرئاسة الثانية كما على تمثيل الشيعة اللبنانيين في النظام، كما على شراكة ثنائية لا تنفصم مع "حزب الله"، الرئيس نبيه بري، هذا الأسبوع، شكّل بذاته حدثاً حقيقياً يطلق نذر التحوّل السياسي الأكبر بعد أقلّ من سنة على بداية العهد الحالي.

ما يتصاعد من معركة الكباش الحاد بين الكتل المناوئة والمعارضة للثنائي الشيعي ورئاسة نبيه بري الآن ينبئ بأكثر من اشتداد الصراع على مسألة اقتراع المغتربين التي تشكّل الجوهر الناري المتوهج للخلاف على قانون الانتخاب، والتي تنذر بإطاحة موعد الانتخابات بلا انتخابات. هذا الصراع هو نتاج احتقان مزمن ومعتمل، عمره ثلاثة عقود

ونصف العقد، و"حان أوان" تصفيته، بدءاً بنزع القدرة الكاسحة الحاسمة والتفرّد الذي لم يكن لدى أيّ جهة أو تحالف أو ائتلاف نيابي أو سياسي القدرة على انتزاعها من يد الرئيس نبيه بري. ولكن الأمر لا يقف ولن يقف على الأرجح عند حدود إثبات الكتل المناوئة التي تتقدمها القوات اللبنانية والكتائب كرأس حربة في رسم مسار جديد للصراع على تقرير مصير قانون الانتخاب. هذا الكباش الراهن يقود حكماً إلى رسم ميزان قوى جديد مختلف، سواء أجريت الانتخابات النيابية في موعدها أم أدى الصراع العنيف على قانون الانتخاب إلى إرجائها والتمديد للمجلس الحالي.

في كل الأحوال والاحتمالات، وحتى مع فرضية احتفاظ الثنائي الشيعي بكامل النواب الـ27 الشيعة في مجلس نواب منتخب، أو في المجلس الحالي الذي قد يمدّد له، حصل ما لا يقر الثنائي بحصوله، مثل الإنكار الثابت للحزب لكلّ ما أعقب

حرب الـ66 يوماً الإسرائيلية عليه كما لمفاعيل اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، الذي لا تزال إسرائيل تعتمده ذريعة مفتوحة لمواصلة حربها بوتيرة غير شاملة على لبنان، فيما الثنائي يتنكر لفهم ما وقع عليه آنذاك بشخص رئيس المجلس. الأكثرية النيابية العادية الناشئة في مجلس النواب منذ ما بعد بداية العهد الحالي بدأت تتحول إلى أكثرية كاسحة، سواء أجريت أم لم تجر الانتخابات، وهي ليست أكثرية عددية فحسب، بل الأهم والأشد وقعاً وتأثيراً أنها أكثرية ترسم وجه السلطة والنظام، وستكون في قابل الزمن إما أكبر مع تسونامي اغترابي لمصلحتها، وإما متنامية من داخل المجلس الحالي إذا جرى التمديد له. وما يفصل عن موعد أيار/مايو المقبل سيغدو زمناً استنزافياً فقط ما لم تجترح تسوية تطيح باقتراع المغتربين في مناطق انتشارهم لضمان إجراء الانتخابات في الداخل.