بحثت عن توأم روحها بين ركام الانفجار... جيهان: يقتلني عجزها عن تذكّر أسماء أولادها

امرأة تبحث عن أختها الضائعة وسط ركامٍ هائل، تنادي توأم روحها، تصرّخ من أعماق قلبها، تهرول حافية القدمين، تبحث عن رائحتها، عن ظلها، عن أثرٍ لها، ولكن ما من مجيب. توقّفت حياةُ جيهان يوم 4 آب 2020 عند الساعة السادسة وثماني دقائق. هزّت لحظات وقوع الانفجار كيانها ووجدانها وراحت تنادي في كل مكانٍ: "أين أختي؟". 

انطلقت جيهان من منزلها في النقاش إلى الجميزة حيث تقطن أختها جوان. أوقفت سيارتها عند الفوروم دو بيروت، وراحت تركض في كل مكان باحثةً عن وجه اختها، متطلعةً في كل الاتّجاهات، ربما تلمحها. 

تروي جيهان قصّتها لـ"النهار": "أوقفتُ دراجة نارية، وطلبت من السائق أن يوصلني إلى المرفأ ولكنّ المركبة تعطّلت، ثم عدّت وهرعت واستطاع أحد آخر أن يوصلني. كان من الصعب عليّ معرفة الشارع، اختفت معالم المبنى". 

وتضيف: "أخطأتُ في الشقق، فلم أستطيع أن أعرف منزل أختي، كانت قطرات الدماء متناثرة في كل مكانٍ، ولم تكن هي هناك. في هذه اللحظات فقدتُ السيطرة على نفسي فرحتُ أصرخ: (جوان، راي، أين أنتما؟). التقيت بأختي الثانية في الشارع تنقل أقربائي المصابين، كأن قدرة إلهية دبّرت الأمر، فذهبت مع رجل على دراجته النارية متوجهةً إلى أوتيل ديو ".

وصلت جيهان إلى طوارئ المستشفى ويا لها من فاجعة! سَمِعت الأطباء ينادون عدّة مرّات "أسرعوا، أسرعوا ستموت". دَخلت جوان البطلة غرفة العمليات وبقيت لمدة 6 ساعات تصارع الموت. مشاهد لا توصف، أضرارٌ لا تُحصى، كأننا في فيلم رعب طويل. 

تصف جيهان المشهد الكارثي: "رأيت الممرضات يبكين، وكان الفريق الطبي مرهقاً. الطفلة ألكسندرا وزوجة السفير الهولاندي كانتا معنا أيضاً، وعند الساعة الثالثة فجراً نجت أختي بأعجوبة". 

الجميع في المركب نفسه، الجميع يتألم، الجميع متساوٍ في هذه اللحظة الأليمة، "كنّا كلنا رح نموت معاً". 

بعد أيامٍ من الحادث المشؤوم، انطلقت جيهان مع صهرها راي في بحثهما عن رجلٍ، أنقذ جوان، واصطحبها إلى المستشفى وسط الدمار. فسيارته سوداء مكسّرة الزجاج، يضع نظّرات دائريّة الشكل، خَلع قميصه ليغطي وجه جوان. فمن هو هذا المنقذ؟ 

في وقت الحادثة، أخذ هذا المجهول رقم راي وحاول الاتصال به لاحقاً مرّات، ولكنّ الرقم كان خطأ. ذهب هذا الأخير إلى مبنى عائلة مجدلاني في الجميزة واستفسر عن اسم من أغاث. وشاءت الصدف أن يكون طه ابن صديقة جيهان المقربة. 

تضيف: "لن أنسى مشهد الأم التي بقيت واقفة على رجليها طيلة 5 ساعات تصلّي مسبحة الوردية بصوت عالٍ، منتظرةً ابنتها الحامل كي تنجو. أبكي من دون دموع، أشعر أنّ في أعماقي قطعاً متناثرة. أختي اليوم انتصرت على الموت، ولكن يقتلني المشهد عندما أراها عاجزة عن تذكّر أسماء أولادي وحتّى أولادها. سأرحل إذا لم يتغيّر شيئاً، سأرحل مع أختي عند تعافيها، فالعائلة هي صمّام الأمان، ولن أقبل بعد الآن سماع أولادي يسألونني: هل سيعود الانفجار مرةً أخرى؟". 

لن ينسى أحد الصوت، الصورة، والحدث. ولكن بوجه هذا كلّه، يفرحنا الشباب المتّحدون اليوم، يداً بيدٍ يزيلون ما دمّره الانفجار ويزرعون الأمل، الحب والتفاؤل بيومٍ أفضل.