المصدر: نداء الوطن
الكاتب: جومانا زغيب
الثلاثاء 26 آب 2025 07:43:16
يسيطر "حزب اللّه" على أجزاء واسعة من الأراضي اللبنانية لا سيّما في الجنوب والبقاع وتحديدًا في جرود قضاء جزين وبعض نواحي النبطية ومرجعيون وحاصبيا، فضلًا عن مساحات أخرى في سائر الأقضية، بالإضافة إلى مساحات في البقاع الغربي وأطراف قضاء راشيا ومساحات أخرى أوسع في بعض نواحي محافظة بعلبك الهرمل. وهذه الأراضي المصادرة كلّها بالقوّة هي أراضٍ إما تندرج في إطار المشاعات لبلدات معيّنة أو في إطار أملاك عامة وخاصة، وقد تمّت مصادرتها منذ زمن طويل من دون أي أذونات سواء من السلطة الرسمية المعنيّة أو من الأفراد المالكين لتلك العقارات.
وثمّة أمثلة كثيرة ونافرة على حقيقة أن "حزب اللّه" لا يحتاج هذه الأراضي تحت عنوان المقاومة، بل يحتاجها للسيطرة عليها تدريجًا وفي بعض الأحيان بهدف تغيير الواقع الديموغرافي للمناطق التي توجد فيها تلك الأراضي المصادرة، ومن هنا لا بدّ من إعادة قراءة متأنية لهذا الواقع بهدف إلغائه إن لم يكن مباشرة وعاجلًا، فبالتدرّج وخطوة بخطوة.
فعلى سبيل المثال، أيُّ منطق يفسّر الهيمنة على مئات آلاف الأمتار المربّعة في الأطراف الجنوبية لمنطقة البقاع الغربي وهي تعود لأصحابها المسيحيين الذين ينتمون إلى الجنوب أو إلى تلك المنطقة. فكلّما اقترب أصحابها من أملاكهم لتفقّدها يُمنعون بل يُزجَرون بشكل وقح بحجّة أن أراضيهم مناطق عسكرية، وهو ما يدفع إلى السؤال: من قرّر أن تكون تلك المناطق عسكرية ومن سمح لـ "حزب اللّه" أن يصادرها بهذا الشكل؟
وتقول سيّدة سعت مرارًا إلى استعادة أرضها المصادرة في إحدى البلدات في أطراف البقاع الغربي، إنها كانت تُمنع دائمًا من الوصول إليها ويبلغها عناصر "حزب اللّه" بأن المنطقة محظورة على أيّ كان حتى على أصحاب الأرض لأسباب أمنيّة تختصّ بسلامة المقاومة وعناصرها، مع العلم أن تلك السيّدة أرادت تفقّد الأرض التي تملكها كي تقيم عليها مشروعًا استثماريًّا صغيرًا أو كي تبيع جزءًا منها لتتمكّن من الاستمرار في العيش بكرامة بعد توقفها عن العمل واستنزاف ما حصلت عليه من تعويض.
وثمّة مثل آخر لشخص من بلدة جنوبية مختلطة قصد الأرض التي ورثها من والده بعدما غاب عنها طويلًا بسبب الهجرة ليتفقّدها، فلم يستطع أن يصل إليها نتيجة وجود حواجز أسمنتية وسياج حديد مع تحذير لأي كان من الاقتراب منها، وعندها اضطرّ للجوء إلى أحد المخاتير من الطائفة الشيعية في البلدة المختلطة كي يصطحبه إلى تلك الأرض، وبعد اتصالات عدة مع "حزب اللّه" سُمح له بأن يتفقّد جانبًا من تلك الأرض الواسعة وقد أُبلغ بأنها أرض عسكرية ولا يمكن له الاستفادة منها حتى إشعار آخر. ويسأل هذا المواطن الذي يبحث عن كيفية استعادة أرضه ليحوِّلها لمصلحة أبنائه الذين يسعون إلى إقامة مشروع زراعي فيها: كيف لنا أن نركن إلى دولة تعجز عن الحفاظ على حقوقنا وتسلّم بالأمر الواقع نتيجة سطوة السلاح غير الشرعي؟
وهذا الواقع المزري إن دلّ على شيء فعلى مدى إصرار "حزب اللّه" على تبرير هذه الممارسات التي لا تقيم وزنًا لا لشرعية ولا لقانون ولا حتى لدستور يكفل حق الملكية ويحميها من أي اعتداء، وذلك كلّه بفضل السلاح الذي يمتلكه والذي يستخدمه لغايات خاصة وللاستقواء على الداخل. فحجّة تحويل أراضٍ عدة لمخيّمات تدريب لم تعد صالحة وحجة استخدامها لبناء مستودعات مخفية أو جوفية للأسلحة والذخيرة سقطت عمليًا ومنطقيًّا، وبالتالي ليس من حجة أخرى إلّا مجرد الهيمنة على أراضي المسيحيين بشكل خاص في إطار عملية التغيير الديموغرافي، لا سيّما أن هذه العملية حصلت فصول فعلية في إطارها وأدّت إلى محو الحضور المسيحي بنسبة كبيرة في قرى عدة سواء في الجنوب أو في البقاع وإن استمرّ وجود كنيسة من هنا أو بضعة بيوت مهجورة من هناك.
ولذلك، وكما يقول مرجع كنسيّ معنيّ، لقد آن الأوان كي تعيد الدولة سيطرتها الكاملة على مختلف الأراضي اللبنانية وتفرض هيبتها على الجميع، لا بل كي يعود القضاء إلى ممارسة دوره الأساسي في حماية حقوق الناس ومقاضاة كلّ معتد على الأملاك الخاصة والعامة، فضلًا عن إجبار كلّ معتد أيّا كانت صفته على دفع التعويضات اللازمة عند الضرورة. ويؤكّد المرجع نفسه أنّ الوقوعات العقارية لا يمكن تزويرها لا سيّما تلك الثابتة منذ عهد المتصرفية والتي تؤكد على حق أفراد من هنا في أملاكهم وبلدات من هناك بمشاعاتها، وهو ما يثبته القانون العقاري النافذ منذ نحو مئة عام مع تعديلاته التي لم تغيّر شيئًا من الحقوق المتوارثة، مع الإشارة إلى أن وزير المال السابق علي حسن خليل حاول في حينه ابتداع مبرّرات والتلاعب بالقانون للاستيلاء باسم الدولة على المشاعات الخاصة ببلدة العاقورة، وكاد الأمر يتسبب في فتنة كبيرة لولا معالجة الأمر، ولو أن تلك المعالجة لم تكن نهائية وحاسمة.
أما في ما خصّ المخيّمات الفلسطينية والمعسكرات خارج إطار المخيّمات، فإنّ ما حصل بالنسبة لإزالة معسكر أعالي قوسايا كان خطوة جيدة في إطار استعادة الحقوق للأهالي وللبلدات، علمًا أنّ ثمّة معسكرات أخرى ما زالت تحتاج إلى معالجة أوضاعها وحسمها كليًّا سواء في البقاع أو في جبل لبنان. وما يلفت وهو ما لا يعرفه كثيرون أن مخيم عين الحلوة ومخيم المية ومية في محيط مدينة صيدا قائمان عمليًّا على أملاك خاصة أكثريتها الساحقة تعود إلى أبناء المنطقة المسيحيين، والذين بالطبع لا يستطيعون الاقتراب منها علمًا أن معالمها تغيّرت كليًّا نتيجة عمليات البناء التي حوّلت تلك الأراضي إلى أحياء سكنية مكتظة سواء باللاجئين أو بالمسلّحين وبما يعود لهم من مراكز عسكرية ومستودعات سلاح وذخيرة.
ولسخرية الواقع، فإنّ بعض المواطنين عندما يحاولون الحصول على براءة ذمة مالية مثلًا أو على مستندات معينة، يُطلب منهم أن يكشفوا عن واقع أملاكهم وأن يستحصلوا على بعض الإفادات، ليتبيّن لهم أن عقاراتهم تقع عليها مخالفات من قبل محتلّيها، وهو أمر في القانون تقع عاقبته على أصحاب الأملاك وليس على من يحتلّها، باعتبار أن ثمّة حاجة إلى حسم الإشكاليات عبر القضاء، وأي قضاء، وأي حالة يمكن معالجتها في ظلّ سيطرة بقوة الأمر الواقع على أملاك شاسعة تعود لمئات المالكين في مناطق بالغة الحساسية أمنيًّا واجتماعيًّا وطائفيًّا.
ولذلك، إنّ الحل الذي يوفّره قرار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وصولًا إلى تنفيذه كما ينبغي، هو الحلّ المنطقي الوحيد الذي يُعيد الحق إلى أصحابه ويزيل المخالفات المتراكمة ويلاحق المعتدين والمرتكبين ويخضعهم للمحاسبة التي من دونها لن يكون حقّ مستعاد ولا يكون إصلاح فعليّ وجدي.