براك وأورتاغوس كرّسا مبدأ "الخطوة مقابل خطوة" وخطة الجيش اللبناني... المفتاح

كرّستْ محادثاتُ الموفد الأميركي توماس براك والمبعوثة مورغان أورتاغوس، في بيروت أن الخطةَ التي يُرتقب أن يقدّمها الجيشُ اللبناني (قبل 31 أغسطس) حول آلية تطبيق قرار حكومة الرئيس نواف سلام بحصر السلاح بيد الدولة (بحلول نهاية السنة) ستشكّل خطاً فاصلاً بين ما قبْلها وما بعدها على صعيد انطلاق مَسار «الخطوة خطوة» بين بيروت وتل أبيب بعنوانيْه العريضيْن اللذين يتمحوران حول سحب ترسانة «حزب الله» العسكرية وانسحاب اسرائيل من التلال الخمسة التي ما زالت تحتلّها جنوباً.

فمن خلْف الترجمات «غير الدقيقة» لمواقف براك من بيروت، فإنّ معاينةَ تصريحاته ونتائج المَهمة المكوكية التي يقودها مع أورتاغوس والتي وَصَفَها بأنها على طريقة «الجميلة والوحش»، تَعكس بوضوحٍ أن الجلسة التي يعقدها مجلس الوزراء اللبناني الثلاثاء المقبل لمناقشة خطة الجيش تَحَوّلَتْ محطة بالغة الأهمية على صعيد تحديد مآل مجمل ملف سَحْبِ سلاح «حزب الله» في الشقّ الذي يَعني كلاً من لبنان واسرائيل، وذلك بمعزلٍ عن «الجدار الحديدي» الذي أقامه الحزب ومن خلفه إيران حول «أصْلِ» تسليم ترسانته والذي من شأنه وضع «بلاد الأرز» بين مِطرقة صِدام داخلي وسندان تفعيل تل ابيب مجدداً خيار الحرب التدميرية.
ورغم «نَسْفِ» حزب الله عشية محادثاتِ براك واورتاغوس والوفد الأميركي الموسع مَسار «الخطوة خطوة» من أساسه بمجاهرته بمعادلة «كل شيء قبل بحث السلاح ضمن حوار حول الاستراتيجية الدفاعية»، أي وَقْفِ اسرائيل اعتداءاتها وانسحابها وإطلاق الأسرى وبدء إعادة الإعمار، فإنّ «حائط الصدّ» هذا لا يُسْقِط أهميةَ اقترابِ واشنطن من نسج إطارٍ كاملٍ وفق آليات متبادَلة بين لبنان واسرائيل يَحكم عمليةَ سَحْبِ السلاح بموجب «ورقة الإعلان المشترك» التي بدأت أميركية وأضافت عليها بيروت تعديلاتٍ وأقرت أهدافها الـ 11 في جلسة 7 أغسطس أي بعد يومين من القرار التاريخي بحصر السلاح بيد الدولة.

وفي الوقت الذي كان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يصف خطة نزع سلاح «حزب الله» بأنها «اسرائيلية مئة في المئة» وأن قضية السلاح «تعود للحزب نفسه وللحكومة اللبنانية» في إشارةٍ جديدة إلى أن «زر التحكّم» في هذا الملف هو في طهران، فإنّ أوساطاً مطلعة معارضة لــ «الممانعة» اعتبرتْ أن اضطرارَ الحزب لكشف موقفه الحقيقي في ما خص رفض مبدأ الخطوة خطوة، بعد جلْب واشنطن في شكل أولي اسرائيل إليه، من شأنه أن يُضْعِف موقعه في المراحل المقبلة من «عض الأصابع» حيال هذا العنوان الشائك ويَزيد من «كَشْفه» على مخططاتِ تل ابيب تجاهه وخصوصاً بحال كانت الأخيرة تناور في ملاقاتها الرغبة الأميركية بأن تُقابَل خطوات «بلاد الأرز» بما يُماثِلها ويشجّع على المضيّ في عملية تفكيك ترسانة الحزب.

وكان براك واضحاً في كلامه بالانكليزية بعد لقاء الرئيس جوزاف عون، حين أكد أن ما يجري العمل عليه استجابةً «للعمل البطولي الذي قام به رئيس الجمهورية اللبناني ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب (نبيه بري) من خلال الإجابة عن المقترحات التي تقدّمْنا بها»، يتمحور حول «ما الذي نستطيع ان نقوم به لحزب الله كي نريه أنه لا يحتاج ان يكون مسلحاً»، معلناً «لا احد يريد ان يرى حربا أهلية».

وأضاف «جواب إسرائيل كان تاريخياً. وما قالوه لي شخصياً وقالوه للرئيس ترامب في الواقع وصرحوا به في بيانات انهم سيقومون بمقابلة كل شيء بمثله وبانتظام تام. والجهد الذي سنقوم به هو للتأكيد ان حزب الله ليس مسلّحاً وليس عدائيا بحقهم، وهم سينسحبون بنفس الإيقاع».

وأعلن أن «السبب في انه لم يكن باستطاعة الاسرائيليين ان يجيبوا بهدوء وبالتحديد، أننا لم نعطهم بعد الأجوبة الواضحة. وما سنقوم به هو ان حكومتكم في الإيام المقبلة ستقدم اقتراحاً وخطة لما هو في نيتها القيام به لنزع سلاح حزب الله. وعندما ترى إسرائيل ذلك، سيقدّم الإسرائيليون الاقتراح المقابل حول ما سيقومون به لجهة الانسحاب والضمانات الأمنية على حدودهم أيضاً، تلك النقاط الخمس، وذلك على إيقاع ما سنعرضه عليهم من الجهة اللبنانية».

وبلور براك هذا المسار أكثر رداً على سؤال حول هل تقولون ان لا شيء سيحصل قبل نزع سلاح حزب الله، وان إسرائيل لن تقوم بأي خطوة حتى يتم نزعه بشكل حقيقي، إذ قال: «ما يقوله الإسرائيليون انهم سيلاقون خطوة بخطوة ما سيتم وما هي خطة نزع السلاح، وهذا ليس بالضرورة أن يكون عسكرياً. نحن لا نتحدث عن حرب بل عن كيفية إقناع حزب الله بالتخلي عن هذه الأسلحة. وماذا يعني ذلك؟ لا نعرف لأن الخطة اللبنانية ليست موجودة بعد وسيتم عرضها علينا للموافقة. وما قالته اسرائيل وهذا تاريخي أيضاً، انها لا تريد ان تحتل لبنان وأننا سعيدون بالانسحاب منه وسنُلاقي هذه التوقعات بالانسحاب مع خطّتنا فور رؤيتنا ما هي خطة لبنان لنزع سلاح حزب الله في الواقع. إذاً هذه كلمات من الجهتين لكنها مهمة للغاية لأننا نصل الى هذا الممر الضيق للأفعال».

«خطوة خطوة»

وفي الإطار نفسه، جاء كلام اورتاغوس حين سئلت: هل حصلتم على التزام من إسرائيل في ما يتعلق بوقف الاعمال العدائية والغارات على لبنان، جواباً على القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية في ما يتعلق بنزع سلاح الحزب؟ إذ ردت «إسرائيل مستعدة لأن تتحرك خطوة خطوة، لربما خطوات صغيرة، لكنها مستعدة لأن تمشي وتسير خطوة خطوة مع قرارات الحكومة. والآن حان وقت العمل والأفعال وليس الكلام. ونحن هنا لمساعدة الحكومة اللبنانية للمضي قدماً في هذا القرار التاريخي والسير والعمل مع إسرائيل. ونحن بالتأكيد نشجّع الحكومة الإسرائيلية على القيام بنفس الخطوات».

وكان بارزاً في مواقف براك وضعه المنطقة الاقتصادية التي يجري الحديث عن إقامتها على الشريط الحدودي بين لبنان واسرائيل كي تكون بمثابة «منطقة عازلة صناعية»، في سياق توفير بديل للبيئة الحاضنة لحزب الله «وللشيعة الذين يمثلون بين 30 و40 في المئة من الشعب اللبناني» ولنحو 40 ألف شخص «تدفع لهم ايران ليقاتلوا فهل نقول لهم أعطونا سلاحكم واذهبوا لزرع بعض الاشجار الزيتون؟. علينا ان نتمكن من مساعدتهم جميعنا من اميركا ودول الخليج ولبنان، وسنعمل معاً من خلال إنشاء شكل إقتصادي سيؤمن الرزق والحياة، وسيكون موجودا إن كانت ايران تريد ذلك ام لا».

وأضاف: «عندما نتحدث عن المنطقة الاقتصادية، فلأننا بحاجة الى بديل لأننا تحدثنا أيضا عن طرف آخَر خارجي وهو ايران التي تمول حزب الله والبلديات التابعة له. إذا كيف نستبدل ذلك؟ نأتي بدول الخليج بنفس الوقت لمنطقة شبيهة بمنطقة اقتصادية. وسيكون هناك عمق بالتفكير بها في الأسابيع المقبلة. خطوة خطوة ننزع القلق (المتأتي من إيران) لأنه سيكون هناك مصدر تمويل آخر، وننزع القلق السوري لأن سورية مستعدة لإجراء محادثات غداً، وأستطيع ان أقول لكم ان الرئيس الشرع ليس لديه أي مصلحة في وجود علاقة عدائية مع لبنان بأي طريقة. وهو لا يستهدف أي طرف في لبنان، ولا يرى في ضعف إيران والشيعة فرصة لهم. وهو مستعد لمباحثات حول الحدود، ويتطلع الى ذلك. كما أننا ننزع القلق الإٍسرائيلي. وأنتم لم تتحدثوا مع إسرائيل منذ العام 1949، وهذا جنون ولن ادخل في واقع انه في نهاية المطاف سيكون عليكم التحدث مع إسرائيل إن كان حول مفاوضات او التطبيع او إتفاقية سلام».

التمديد لـ «اليونيفيل»

ورداً على سؤال، أكد أن التمديد لقوة «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان سيحصل (الجمعة مبدئياً) لمدة سنة، من دون معرفة هل سيتضمن القرار جدولة زمنية بإنهاء مهماتها بعد 31 اغسطس 2026، ومع حرص براك على التذكير بأن القوة الدولية «لم تتمكن منذ نشرها من إجراء أي شيء. وانتم في أسوأ وضع وفي معضلة مع إسرائيل وحزب الله. وتريدون ان نستثمر أكثر او ندعم؟»، واضاف: «جوابكم هو الجيش اللبناني وليس اليونيفيل. وموقف وزير الخارجية الأميركية اننا سنوافق على التمديد لها لعام واحد. هذا هو موقفنا اليوم. وعلينا ان نقرر ونحدد بحلول نهاية اغسطس. فرنسا ليست بهذا الموقف».

وحين سئل تحدثتم عن سورية وإسرائيل وايران، لماذا لا تأخذون الطريق القصير وتتجهون مباشرة الى طهران لتتحدث مع حزب الله وتقفلون هذه المسألة؟ أجاب: هل تعتقد أن ذلك لا يحصل؟.

وفي موازاة ذلك، أعلنت رئاسة الجمهورية أن عون بحث مع الوفد الأميركي نتائج الجولة التي قام بها، إضافة الى المحادثات التي أجراها براك واورتاغوس في إسرائيل وسورية.

وأعرب عون «عن ارتياحه الكبير لِما نقلوه من استعداد سوري لاقامة أفضل العلاقات مع لبنان» مؤكداً «انها رغبة وإرادة متبادلة»، ومجدداً «استعداد لبنان العمل فورا على معالجة الملفات الثنائية العالقة بروح الاخوة والتعاون وحسن الجوار والعلاقات التاريخية بين شعبي البلدين».

وبعد اطلاعه على نتائج زيارة براك وأورتاغوس لإسرائيل والمواقف التي صدرت عن المسؤولين الاسرائيليين أكد عون «التزام لبنان الكامل بإعلان 27 نوفمبر لوقف الاعمال العدائية وبورقة الإعلان المشتركة الأميركية - اللبنانية التي اقرها مجلس الوزراء ببنودها كافة من دون أي اجتزاء».

وشكر الجانب الأميركي على استمراره في دعم الجيش والقوى المسلحة وتعزيزها في كل المجالات «لتقوم بمهامها الوطنية لجهة حصرية الامن والاستقرار في لبنان»، متمنياً على الجانب الأميركي «متابعة الاتصالات مع الجهات المعنية كافة، وخصوصا مع البلدان العربية والغربية الصديقة للبنان لدعم والإسراع في مساري إعادة الاعمار والنهوض الاقتصادي».

وثمّن عون "ما صدر من أعضاء الوفد من مواقف عن الرؤية الأميركية لإنقاذ لبنان والمستندة على ثلاث قواعد هي: «استتباب الامن عبر حصر السلاح وقرار الحرب والسلم في يد الدولة وحدها، وضمان الازدهار الاقتصادي، وصون الديمقراطية التوافقية في لبنان التي تحمي كل الجماعات اللبنانية في اطار نظام تعددي حر يجعلها سواسية امام القانون وشريكة كاملة في إدارة الدولة والبلاد».