بركة البابا تشمل المثليين ولا تعارض العقيدة

بعيداً من السياسة، وفي أجواء عيد الميلاد، نقاشٌ حول موافقة البابا فرنسيس على مباركة الأزواج المثليين. تؤكد كل الديانات السماوية ان الله رؤوف ورحيم وغفور وعطوف وما اليها من صفات تجزم بأنه أعلى وأرقى وأرفع من المخلوق المجبول بالخطيئة والضعف. وإذا كان الإله على هذا النحو، فلا يمكنه أن يحرم أيَّ إنسان، أكان خاطئاً أم مجرماً، ضعيفاً أم قوياً، مؤمناً أم كافراً، المحبة الإلهية العظمى، لأن الانسان، قدّيساً أم خاطئاً الى حدّ كبير،غارقاً في الخطيئة، هو ابنٌ مخلوق على صورة الله ومثاله، وقد افتداه المسيح على الصليب ليخلّصه لا ليدينه ويحكم عليه بالموت.

بالأمس، أقدم البابا فرنسيس على خطوة تقدمية أثارت لغطاً، وجدلاً سيستمر الى فترة مقبلة طويلة، قبل أن تتوضح الأمور، ويتقبّل الناس التعليم الجديد. فقد أعلن البابا موافقته على منح البركات للمثليين، ومنهم الأزواج من جنس واحد.

أثار الخبر سخط المتشددين المسيحيين وستكون له ارتداداته حتماً داخل الكنيسة الكاثوليكية، من جانب المحافظين ومنهم رجال دين.

لكن قراءة جيدة في تعليم البابا فرنسيس تؤكد عدم تضارب موقفه، أو ابتعاده عن تعاليم الكنيسة الجامعة حيال سرّ الزواج. والزواج لدى المسيحيين من أسرار الكنيسة السبعة ولا يمكن التفريط به، لأن التفريط يتحول كرة ثلج تطيح كل الثوابت والأسرار التي تقوم عليها الكنيسة.

يقول البابا: "إن الأشخاص الذين يسعون الى محبة الله ورحمته يجب ألّا يخضعوا لتحليل أخلاقي شامل كي يتلقوا مباركة الكنيسة"، وفي هذا الكلام مساواة بين البشر، خصوصا بين أولئك الذين يطلبون النعمة، ولو من غير استحقاق وفق المفاهيم الاجتماعية المتداولة.

ورغم أن الوثيقة تشير الى أن الزواج سرّ مقدس مدى الحياة بين رجل وامرأة، فإنها تؤكد كذلك أن طلبات الحصول على مثل هذه البركات لا ينبغي رفضها تماماً، إذا طلبها أصحابها، والبركة من البابا تمنح الناس وسيلة لزيادة ثقتهم في الرب... وهي بذرة الروح القدس التي يجب رعايتها لا إعاقتها.

وشدد البابا على أن البركات المعنية يجب ألّا تكون مرتبطة بأي احتفال ليتورجي كاثوليكي محدد أو خدمة دينية، ولا ينبغي منحها في الوقت نفسه مع حفل الزواج المدني. علاوة على ذلك، لا يمكن أن تُستخدم البركات طقوساً محددة أو حتى تتضمن الملابس والايحاءات التي تنتمي الى حفل الزفاف.

واذا كان المتشددون المسيحيون أبدوا امتعاضاً من هذا التعليم، فإن مجتمع "الميم"، أي الخاص بالمثليين، حذّر أيضاً من أن البابا يؤكد فكرة الكنيسة بأن الأزواج المثليين يظلون أدنى مرتبة، لأنه لا يساويهم بالآخرين.

والواقع أن الكنيسة تبارك المواسم من القمح الى العنب، وأيضاً تبارك المياه، والطعام، وتبارك الحيوانات، والمنازل والسيارات الجديدة، وغيرها، فهل يمكنها أن تبارك كل هذه الأشياء، التي لا تطلب بركة، وان تحجب البركة عن انسان يشعر بضعفه ويطلب التقرب من الله، سواء أكان يعترف بخطئه أم لا، أو لا يراه خطأ في الاصل؟ مع الاصرار والتأكيد هنا على عدم التشبيه بين الإنسان، وباقي المخلوقات والأشياء التي تتلقى البركة من دون إرادة منها.

إذاً هي البركة، فعلُ محبة تجاه الآخر، واعتراف بإنسانيته لا بزواجه، سواء أكان المثلي يعيش وحيداً أو ضمن ثنائي يسميه عائلة. بركات البابا فرنسيس قدوة في التعليم، وفي الانسانية، لأن المثليّ يجب ألّا يُقصى من المجتمع، أو من الكنيسة. وليسأل كل واحد منا نفسه: ماذا لو اكتشف أن أحد أفراد عائلته، أشقاء أو أبناء وبنات، لديه ميول مثلية، هل يحتضنه كفرد في العائلة أم يجلده ويصلبه؟