المصدر: Kataeb.org
الكاتب: شادي هيلانة
الاثنين 22 كانون الاول 2025 14:08:24
لم تعد الإشارات الأميركية المتصاعدة حيال سلاح حزب الله مجرد مواقف تحذيرية قابلة للاحتواء السياسي، بل باتت أقرب إلى تمهيد منهجي لمرحلة مختلفة، تعاد فيها صياغة مقاربة لبنان من زاوية أمنية - قسرية، لا من باب التسويات المرحلية.
فحين يربط السيناتور الأميركي ليندسي غراهام مستقبل لبنان مباشرة بمصير هذا السلاح، ويستحضر تجربة التعامل مع إيران كنموذج قابل للاستنساخ، فإن الرسالة تتجاوز حدود التصعيد الكلامي، لتدخل في إطار إعادة تعريف قواعد الاشتباك السياسي مع الدولة اللبنانية نفسها.
غراهام لم يترك هامشًا واسعًا للتأويل حين قال إن التمسك بسلاح حزب الله سيُقابَل بتحرك أميركي، وهو موقف يتقاطع بوضوح مع ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أيام، حين تحدث عن استعداد دول عدة للتدخل لمعالجة هذا الملف في حال فشل مسار نزع السلاح.
بالتالي، هذا التلاقي في الخطاب لا يمكن قراءته خارج سياق تدويل الأزمة اللبنانية، وإعادة وضعها عمليًا تحت مظلة الفصل السابع، بما يحمله ذلك من انتقال من منطق الضغط السياسي إلى منطق الإلزام القسري.
في هذا الإطار، اكتسب اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالسيناتور غراهام في تل أبيب دلالات تتجاوز الإطار البروتوكولي، فالمؤتمر الصحافي الذي أعقب الاجتماع عكس تماهيًا واضحًا في الرؤية الأميركية - الإسرائيلية حيال المشهد الإقليمي، من غزة إلى جنوب لبنان.
إذ حذر غراهام مما وصفه بتطورات أمنية مقلقة، معتبرًا أن حركة حماس تعمل على إعادة بناء قدراتها العسكرية في القطاع وتثبيت حكمها، فيما يواصل الحزب في الشمال تعزيز ترسانته، بما يضع لبنان والمنطقة أمام معادلة عدم استقرار مفتوحة.
كما شدد غراهام على أن تخلي الحزب عن سلاحه يصب في مصلحة لبنان قبل أي طرف آخر، وجاء تعليق نتنياهو ليكرس هذا التلاقي حين قال له: أنت على حق في الحالتين، في موقف لا يخلو من رسالة سياسية مزدوجة، مفادها أن واشنطن وتل أبيب تتحركان ضمن سردية واحدة، وأن هامش المناورة اللبنانية يضيق كلما طال أمد بقاء السلاح خارج إطار الدولة.
في المقابل، يواصل الخطاب الرسمي اللبناني تقديم ما يجري على أنه تقدم محسوب في مسار ضبط السلاح، فيما تعكس الوقائع الميدانية والسياسية صورة مغايرة، فما تحقق حتى الآن لا يتجاوز كونه ترتيبًا أمنيًا جزئيًا، يهدف إلى طمأنة الخارج أكثر مما يؤسس لحل داخلي مستدام، فلا السلاح أُخرج من المعادلة الوطنية، ولا الدولة استعادت احتكارها للقوة، ولا السيادة استُعيدت بصورتها الكاملة، بل نشأت، عمليًا، معادلة حدودية غير معلنة، تفرض فيها قيود مشددة جنوب الليطاني، مقابل بقاء الشمال مساحة رخوة قابلة للاختلال عند أول تبدل في التوازنات.
المأزق الحقيقي لا يكمن في وتيرة التنفيذ أو في تقنيات الانتشار العسكري، بل في جوهر المقاربة المعتمدة، فكل مسار لا ينتهي بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، يبقى مجرد إدارة مؤقتة للأزمة، لا أكثر، أما الرهان على “احتواء السلاح”، فهو رهان على الوقت، في بيئة إقليمية لا تعترف بالحلول المؤجلة، ولا تمنح هوامش أمان طويلة.
وفي هذا السياق، يشير مسؤول سياسي في حديث لموقع kataeb.org إلى أن المرحلة التي تلي انتهاء مفاعيل الخطة الأخيرة للجيش اللبناني في جنوب الليطاني ستكون أكثر حساسية، ولا سيما مع الانتقال المتوقع إلى شمال النهر، فهناك، سيختبر ليس فقط الأداء العسكري، بل صدقية الدولة اللبنانية أمام المجتمع الدولي، الذي سيقيم النتائج على أساس معيار واحد، هل باتت حصرية السلاح مسارًا جديًا أم لا؟
وتأتي هذه المعطيات بالتوازي مع تأكيد رئيس الحكومة نواف سلام أن المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح جنوب الليطاني شارفت على الانتهاء، وأن الاستعدادات جارية للانتقال إلى المرحلة الثانية شمال النهر، وفق الخطة التي وضعها الجيش اللبناني بتكليف حكومي، مع التأكيد على ضرورة تأمين الدعم الكامل للمؤسسة العسكرية، غير أن هذا المسار، على أهميته، يبقى محكومًا بسؤال جوهري حول سقفه السياسي وقدرته على تلبية الشروط الدولية.
ويضيف المسؤول، فإما أن ينظر إلى ما تحقق على أنه مدخل فعلي لمسار شامل ينتهي بحصرية السلاح، وإما أن يعتبر غير كافٍ، ما يفتح الباب أمام انتقال مجلس الأمن إلى مرحلة استخدام أدوات الفصل السابع بشكل أكثر صرامة، سواء عبر عقوبات إضافية أو آليات تنفيذ قسرية، قد تتخذ طابعًا عسكريًا، في ظل مناخ أميركي - إسرائيلي أقل تسامحًا مع سياسة المهل المفتوحة.
في موازاة ذلك، يتابع المسؤول عينه، تتقاطع الضغوط الدولية مع المقاربة الإسرائيلية، التي تسعى إلى تحويل منطقة جنوب الليطاني إلى مساحة معزولة بالكامل عن نفوذ الحزب، ومن هنا، لا يمكن فصل استمرار الاستهدافات الإسرائيلية، كما حصل أمس في منطقة ياطر، والمعمارية في صيدا اليوم، عن هذا المسار، إذ تُستخدم القوة لفرض وقائع ميدانية تواكب الضغط السياسي.
ويختم المسؤول حديثه لموقعنا: تكتسب هذه الوقائع بعدًا إضافيًا في ضوء تفاهمات وقف إطلاق النار في 26 تشرين الثاني 2024، التي أغفل الخطاب اللبناني الرسمي الإشارة إلى أحد أخطر بنودها، والمتعلق بمنح إسرائيل هامش حرية التحرك عند رصد أي نشاط تعتبره مريبًا، وهو ما يضع لبنان في موقع المعادلات الأمنية التي تُدار بضمانات أميركية - إسرائيلية.
في الخلاصة، يبقى القرار 1701، الصادر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع، سيفًا معلّقًا، فهو التزام دولي مستمر إلى أن تنفذ شروطه كاملة، بالتالي في حال عجزت الدولة اللبنانية عن إثبات قدرتها على الالتزام، لن يعاد النظر في القرار، بل سيعاد النظر في كيفية فرضه، ما يعني أن لبنان قد يجد نفسه بعد الأعياد المجيدة أمام مرحلة جديدة، تستبدل فيها سياسة الضغط بسياسة الفرض.