المصدر: المدن
الجمعة 18 تموز 2025 15:20:07
يشكّل قطاع الطيران المدني أحد الركائز الحيوية لأي اقتصاد حديث، نظراً لدوره في ربط لبنان بالعالم، وتحفيز السياحة، وتسهيل حركة الاستثمارات والتجارة. في لبنان، ظلّت المديرية العامة للطيران المدني وهي الجهة الرسمية المنوط بها تنظيم هذا القطاع، غائبة فعلياً عن الساحة منذ سنوات، نتيجة الشغور الإداري الناجم عن المناكفات السياسية، وضعف التمويل، وتداخل الصلاحيات مع الجهات الأمنية والإدارية الأخرى في مطار رفيق الحريري الدولي.
المديرية، التي يُفترض أن تكون الهيئة الناظمة والرقابية للطيران المدني، تُعنى بوضع السياسات العامة للقطاع، وتنظيم حركة الطيران، والإشراف على السلامة الجوية، ومنح التراخيص، وضمان الالتزام بالمعايير الدولية بالتنسيق مع منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) وتضطلع بدور أساسي في مراقبة الملاحة الجوية، وإدارة المطارات، والتخطيط لتطوير البنى التحتية في مجال الطيران.
غير أنّ غياب التفعيل الحقيقي للمديرية منذ سنوات، وتجميد التعيينات في مناصبها الأساسية أدّى إلى فراغ إداري خطير، جعل من مطار بيروت ساحة تتقاطع فيها قرارات الأجهزة الأمنية والوزارات المختلفة من دون مرجعية مدنية موحدة. وقد انعكس ذلك سلباً على أداء المطار، وتسبّب بانتقادات متكرّرة من جهات دولية بسبب ضعف الالتزام بالمعايير الفنية والإدارية العالمية.
وفي حين تشهد معظم دول العالم تحديثاً متواصلاً في أطرها الناظمة للطيران، كان لبنان يفتقر إلى هيئة طيران مدني مستقلة وفعّالة. ويؤكّد خبراء أنّ إعادة تفعيل المديرية العامة للطيران المدني، وتعيين طاقم إداري وفني، هو ضرورة خصوصاً في ضوء ما شهده مطار بيروت من تجاوزات، وفوضى إدارية، وتردٍّ في مستوى الخدمات. كما شكّل غياب المديرية إحدى العقبات أمام تطوير سياسات النقل الجوي في لبنان، وفتح خطوط جديدة، وتحسين الشفافية في إدارة المطار والعقود التشغيلية فيه.
باختصار، فإن إعادة تشكيل المديرية العامة للطيران المدني وتفعيلها تمثّل حجر الأساس لأي إصلاح حقيقي في هذا القطاع الحيوي، كما تُعد خطوة لازمة لحماية الأمن الجوي، واستعادة الثقة الدولية بمرفق يُفترض أن يكون واجهة البلاد الأساسية أمام العالم.
ويُفترض أن يفتح هذا التعيين صفحة جديدة في تنظيم قطاع الطيران، على أن تتولى الهيئة مهام الرقابة والتنظيم وتطوير السياسات العامة، بالتكامل مع المديرية العامة للطيران المدني التي تتبع لوزارة الأشغال وتضم هيكلياً مديريتي: المطارات والاستثمار الفني، إضافة إلى تسع مصالح فنية وإدارية تشمل مصلحة الأرصاد الجوية، سلامة الطيران، الملاحة الجوية، الاتصالات، وصيانة الأجهزة، وغيرها.
وتعليقاً على تعيين الهيئة الناظمة للطيران المدني من قبل مجلس الوزراء أمس وصف المكتب الإعلامي لوزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني، الخطوة بـ"الإصلاحية الكبرى"، مؤكداً أن التعيينات تمّت وفق آلية شفافة تستند إلى معايير الكفاءة والحوكمة وتكافؤ الفرص، بعيداً عن أي محاصصة سياسية. وقد أشرفت على العملية لجنة تضم ممثلين عن الوزارات المعنية وخبراء مستقلين في قطاع الطيران، أجرت مقابلات تقييمية دقيقة مع المرشحين، واختارت الأعضاء بناء على أعلى درجات الاستحقاق.