المصدر: المدن
الكاتب: حسين سعد
الخميس 17 تموز 2025 13:42:37
تسلّم أكثر من عشرة رؤساء بلديات في القرى الحدودية مسؤولياتهم على التوالي. وأصبح بحوزة كل منهم "ختم" ومحبرة وجردات مالية. لا تمتلك هذه البلديات المنهكة أي مكان يحضن اجتماعاتها الدورية. فكل قصورها البلدية تحوّلت إلى ركام إسوة بمنازل بلداتها، التي اقتلعت إسرائيل حجارتها.
بلديات عاجزة وبلا أموال
يعيش رؤساء هذه البلدات (راميا، مروحين، يارين، الجبين، الضهيرة، البستان، الزلوطية، شيحين، طيرحرفا، مارون الراس، كفركلا، وغيرها من القرى)، هموماً ومسؤوليات مضاعفة. فهم لا يحوزون على أي مقدرات مالية حتى لاستئجار شقق صغيرة في أماكن نزوحهم في منطقة صور تحديداً كي تكون مرجعاً للأهالي النازحين.
منذ انتخاب رؤساء تلك البلديات في أيار الفائت، المنضوية في غالبيتها ضمن اتحاد بلديات صور، يسيطر الإرباك على المجالس البلدية المنتخبة المذكورة العاجزة عن فعل أي شيء يذكر. فبلداتهم مدمرة بنسبة 99 بالمئة، ولم يتمكّن أحد من أبنائها الاستقرار فيها. وإذا ما عزم أحدهم على التحدي فإن المحلقات الإسرائيلية تطارده حتى على مائدته، بينما تتولى المسيرات تدمير البيوت الجاهزة بشكل ممنهج لمنع استقرار العائدين القلائل.
مناشدة الدولة الالتفات لهم
رغم سوداوية الوضع، لا يغيب الرجاء عن رؤساء البلديات الذين تسلموا صناديق شبه خاوية، وبالكاد يتوفر في بعضها مئات الملايين التي لا تكفي مساعدات اجتماعية وثمن أدوية للمحتاجين من أهالي البلدات المشردين، الذين لا تزال عشرات العائلات منها تقيم في مراكز إيواء في صور ومنطقتها. ويتوجه هؤلاء إلى الدولة للوقوف إلى جانبهم والتعامل مع بلداتهم بشكل استثنائي لكي تستطيع لملمة نفسها شيئاً فشيئاً، ريثما يتحقق الإعمار الموعود. كما يناشدون المؤسسات والجمعيات الدولية مراعاة خصوصية بلداتهم التي تفتقد لناسها على أرضها نتيجة ما حل بها من دمار وقتل حتى لمزروعاتهم، التي لطالما كانت تشكل ركيزة العيش والطمأنينة.
لا يزال القسم الأكبر من بلدة الضهيرة "الضهيرة الفوقا" ممنوعة على أهلها الذين لم يتمكنوا حتى من تفقد منازلهم المدمرة، فيما لا تزال أكثر من سبعين عائلة تقطن في مراكز إيواء في صور والبرج الشمالي. ويقول رئيس البلدية الشيخ ناجي سويد: "لن نستسلم لهذا الواقع المر. سنبقى متشبثين بالعودة إلى الضهيرة مهما بلغت التضحيات والانتظار".
وناشد سويد الحكومة إعطاء الأولوية لهذه القرى حتى تستطيع القيام بالحد الأدنى من واجباتها تجاه أبنائها شارحاً لـ"المدن"، أن "كل ما نملكه ومتوفر بين أيدينا كبلدية هو الختم والمحبرة. في حين أن المبلغ الذي ادخرته البلدية السابقة بحدود 500 مليون ليرة لا يمكننا التصرف به بانتظار تكليف أمين صندوق لستة أشهر مقبلة. وحالياً نتدبر أمورنا وعقد اجتماعاتنا في اتحاد بلديات صور. وتزامناً مع ذلك نسعى إلى استئجار شقة صغيرة في صور تكون قريبة من تواجد أهلنا النازحين".
بلديات المنفى والتحديات
بالنسبة لرئيس بلدية البستان، عدنان الأحمد، الذي بقي في منصبه للدورة الرابعة، وتسلم من نفسه حوالي المليار ليرة لبنانية موجودة في المصرف، فإن البلدية في "المنفى" تداوي نفسها بنفسها. وقال لـ"المدن": "البلدية تعقد اجتماعاتها في إحدى قاعات اتحاد بلديات صور المخصصة للبلديات النازحة على أساس برنامج تستفيد منه هذه البلديات".
وتابع الأحمد: "نحن كبلدية أمامنا تحديات كبيرة جداً. فالكثير من أهلنا النازحين، وغالبيتهم من المزارعين، بحاجة إلى مساعدات مباشرة لدفع بدل إيجار منازلهم. فهم لا يحصلون على أي مردود مادي في أماكن نزوحهم في الوقت الحالي. وهؤلاء المزارعون لا يكفّون عن المطالبة بالعودة إلى البلدة، حتى لو اقتضى الأمر النوم بين ركام منازلهم".
لم يبق في يارين بيت واحد قائم. جميع البيوت والمؤسسات بما فيها مركز البلدية سويت بالأرض. ويارين بحسب رئيس بلديتها عدنان أبو دلة، غير قابلة للحياة. وقال لـ"المدن": "كانت البلدية السابقة في عهدة القائمقام على مدى تسع سنوات، ولا يوجد في صندوقها أي أموال لاستئجار مركز للبلدية في منطقة نزوحنا. كما أننا لا نستطيع بناء مركز مؤقت في البلدة الخالية من أهلها بالكامل ولا يوجد فيها أي نوع من أنواع البنية التحتية، وذلك في ظل غياب الأمان والأمن".
لا تختلف بلدة راميا المحاصرة بموقع الاحتلال الإسرائيلي في "جبل بلاط" (إحدى النقاط الخمس المحتلة) عن جاراتها البستان ومروحين وعيتا الشعب. فبلدة راميا لم يتبق فيها سوى ثمانية منازل ومبنى المدرسة الرسمية.
بذل قسم من الأهالي (معظمهم من مزارعي التبغ) جهوداً، للعودة إلى البلدة والسكن في بيوت جاهزة وضعت في باحة المدرسة الرسمية. لكن هذا الأمر لم يستمر طويلاً بسبب غياب البنية التحتية، لا سيما الكهرباء والمياه إلى جانب استهداف المحلقات تلك البيوت.
العجز المالي والإداري مصير مشترك
وفق رئيس البلدية عباس عيسى، فإن غالبية أبناء راميا النازحين يقيمون في منطقة ساحل صور. بعض هؤلاء النازحين عمل على زراعة التبغ في منطقة النزوح. لكن لم يتمكن القسم الآخر من ذلك بسبب ارتفاع كلفة استئجار الأراضي. وأكد أن نحو 400 عائلة مزارعة بحاجة إلى دعم ومساعدات عينية.
ويضيف عيسى أن المجلس البلدي نازح مثل الأهالي، وليس باستطاعته استئجار مركز لعقد الاجتماعات في أماكن النزوح، لأن الكلفة لا تقلّ عن 500 دولار شهرياً، وصندوق البلدية فارغ. لذا فإن أقصى ما تقوم به البلدية هو تجهيز ملفات إعادة الإعمار التي يتولاها مجلس الجنوب.
تسكن في بلدة طيرحرفا عائلتان فقط، رغم عدم وجود أي مقومات فعلية. وتعتمد هاتان العائلتان على الكهرباء الذاتية "طاقة شمسية" وقليل من المياه المتوفرة في الآبار المحفورة يدوياً. ويؤكد رئيس البلدية المهندس ياسر عطايا، أنه جهّز مكتباً مؤقتاً في منطقة الحوش في صور بمبادرة شخصية منه بالتعاون مع أحد الأشخاص. لكن عمل البلدية يقتصر في الوقت الراهن على مسح الطرقات وردم الحفر ودراسة ملفات البنية التحتية، كي تكون البلدية مستعدة لأي عملية إعادة إعمار.
تتواصل في بلدة الجبين أعمال رفع الأنقاض من المنازل المدمرة التي يتولاها مجلس الجنوب، بعدما جرى استحداث مكان للردميات في البلدة بحسب ما أفاد رئيس البلدية جعفر عقيل. وقال: "نعمل على ردم الحفر وتأهيل بعض الطرقات بمساعدة المجلس وأيضاً ترميم مبنى البلدية الذي سلم من التدمير مع أقل من عشرة منازل والمدرسة الرسمية، حتى يكون مقراً للمجلس ومنطلقاً لبدء عودة الحياة".