بند الضريبة على المستفيدين من الدعم ضائع بين الحكومة ولجنة المال

يوم الخميس الفائت، وإبان المناقشات الحامية حول الموازنة في المجلس النيابي أثار النائب وائل أبو فاعور "نادرتين اثنتين"، الأولى جاءت بها الحكومة وأسقطت في لجنة المال والموازنة كانت فكرة الضريبة على المستفيدين من الدعم الذي وفره مصرف لبنان، وذلك في المادة 78 من مشروع الموازنة... فيما تقدّر القيمة الحقيقية للدعم بنحو 11 مليار دولار".

النادرة الثانية التي تحدث عنها أبو فاعور تم إسقاطها، في المادة 125، وتتعلق ببند الضرائب على الشركات التي استفادت من منصة صيرفة، تلك المنصة المثيرة للجدل بل للريبة والتي تحولت الى أداة للإثراء والربح السريع العابق بالفساد.

ولكن المفارقة أن النواب أضاعوا أحد هذين البندين المتعلق بالضريبة على المستفيدين من الدعم، وراحوا يفتشون عنه دون جدوى، فبعضهم لم يسمع به أصلاً والبعض الآخر سمع لكنه لم يقرأ ولم يجد في نص الموزانة التي بين يديه بنداً ذا صلة. فأين الحقيقة؟

ثمة من يؤكد أن هذا البند كان مدرجاً في المسودة الأولى للموازنة، ثم أزيل بعد ضغوط على الكتل النيابية من "قوى اقتصادية"، ليسأل أبو فاعور "هل يُعقل أننا نتراجع بالحد الأدنى عن فرض ضريبة على ربح فاحش بـ2.5 مليار دولار في فترة قياسية؟ وما الدوافع الحقيقية لإسقاط هاتين الفكرتين سوى الإصغاء للصوت العالي للمصالح الاقتصادية العليا لقوى اقتصادية يبدو أن صوتها عالٍ وكلمتها مسموعة، بل مطاعة وأعتقد أننا في جزء من نقاشنا فإن الأولى بنا كنواب أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب الحكومة"، داعياً الى "إعادة التصويت مجدداً على هاتين المادتين تصويتاً علنياً أمام الرأي العام وليتحمل كل منا مسؤوليته".

كتلة اللقاء الديموقراطي قدمت اقتراحين يتعلقان بالبندين أعلاه، بعدما قامت بمروحة اتصالات واستشارات مع كتل أخرى وخصوصاً لجنة الإدارة والعدل في محاولة لاستشراف قانونية أن تعود عائدات هذه الضريبة المقترحة الى صندوق مستقل يخصَّص لإعادة الودائع.

وفيما تتناقض الاستشارات بين من يؤكد قانونية إنشاء صندوق خاص لتجميع عائدات ضريبة معيّنة تخصّص لوجهة محددة وبين استشارات أخرى تعتبر أن ذلك مخالف للقانون والدستور انطلاقاً من أن القاعدة الفقهية تعتبر أن كل ما يدخل الى خزائن الدولة يُعدّ مالاً عاماً. وكل مال عام يُصرف فقط بقانون ويدخل حكماً في الموازنة السنوية للدولة وأي أموال تُجبى وتصرف من خارج الموازنة تسبّب حكماً خللاً محاسبياً في قطع الحساب الذي فرضه الدستور والقوانين المحلية والدولية لفرض الشفافية وإعطاء المؤسسات الرقابية القدرة على التدقيق ومحاسبة الحكومة. وفي السياق أكد مصدر قانوني لـ"النهار" أنه يجوز إدراج هذه الضريبة في الموازنة العامة، لشمل كل الإنفاق العام، أو يمكن إدراجها بقوانين مستقلة متخصّصة لأغراض محددة ومنها استرداد الودائع، أمام هذا الواقع تؤكّد مصادر متابعة أنه "ليس أمام المجلس النيابي، إلا إدغام هذا البند في الموازنة بصيغة حساب لإعادة أموال، تصرف بها مصرف لبنان سابقاً، الى مصرف لبنان، الذي سيقوم بدوره بإعادة تدوير إيرادات هذا البند وتمويل التعميم 158 الذي بدأ عبره مصرف لبنان بإعادة ما تيسّر من الودائع (300 دولار شهرياً) والتعميم 151 المقترح تعديله ليؤمن (150 دولاراً شهرياً).

يقدر النائب ابو فاعور أن المبالغ المستهدفة التي صُرفت على الدعم بنحو 11 مليار دولار خلال عام ونصف. من هنا واستناداً الى هذا الرقم والاقتراح الذي قدمته كتلته الى المجلس الذي يحدد نسبة الضريبة بـ17%، تقدر العائدات عندها برقم يزيد قليلاً عن مليار و700 مليون دولار. فهل يمكن عملياً ذلك؟ والسؤال الأساسي: هل يمكن فرض ضريبة مع مفعول رجعي؟ وكذلك ألا تُعتبر هذه ضريبة استنسابية تطال الشركات والمؤسسات والتجار فيما يُعفى منها المواطنون والموظفون والصيارفة والمصارف الذين جنوا أيضاً أرباحاً وعائدات عبر صيرفة. وهنا يؤكد أبو فاعور أن الاقتراح الذي تقدمت به كتلته لا يلحظ الازدواج الضريبي، فالمكلف يسدّد فقط الضريبة على البضائع التي أفادت من الدعم أو صيرفة. ولكن المشكلة برأيه أن مصرف لبنان لم يزوّد حتى اليوم المعنيين بأرقام الدعم وعدد المستفيدين منه، مشكّكاً في وجود شبهات تتعلق بهذا الملف.

أيمن عمر: تخبّط مالي

وبالعودة الى تفاصيل الموازنة وأرقامها، يؤكد الباحث في الشؤون الاقتصادية الدكتور أيمن عمر أنه لأول مرة في تاريخ الموازنات في لبنان نشهد اختلافاً في تقدير الواردات العادية، حيث قدّرتها الحكومة في مشروعها بـ277.923 مليار ليرة، لجنة المال والموازنة بـ295.113 ملياراً، ثم في كتاب منفصل أرسله وزير المال قدّر الواردات بـ308.435. وهذا إن دل على شيء فيدل برأيه على "حال التخبط المالي الناتج عن ترهل مؤسسات الدولة الدستورية والمالية والإدارية. وكذلك يشير إلى الغياب العلمي والالتزام بقواعد المالية العامة في تقدير الواردات العامة، والسبب الرئيسي في ذلك غياب حسابات القطع للموازنات السابقة 2021 و2022 التي على أساسها تُقدَّر واردات السنوات اللاحقة بطريقة صحيحة وموضوعية. فضلاً عن أن غياب حساب القطع وعرضه على المجلس النيابي ليوافق عليه قبل نشر موازنة السنة التالية مخالفة واضحة للدستور اللبناني في مادته الـ87".

أما ما حصل في لجنة المال والموازنة من تعديلات جوهرية على أرقام الموازنة والتعديلات الكبيرة في مواد الرسوم والضرائب، فيعكس بوضوح وفق عمر "حال التناتش السياسي بين رئيس الحكومة من جهة وفريق سياسي معيّن، حيث قام رئيس لجنة المال والموازنة الذي ينتمي إلى هذا الفريق السياسي، بمحاولة رد الصاع الصاعين والتعدي على صلاحيات الحكومة في مواجهة التعدي على صلاحيات رئيس الجمهورية". ويضيف عمر "لكن المستغرب، في تعديلات لجنة المال والموازنة، هو تصفير العجز المالي بمعنى تساوي النفقات العامة المقترحة مع الواردات العادية المقدرة، وهذا الأمر من الصعوبة بمكان حدوثه من الناحية الواقعية وخصوصاً في ظل أزمة اقتصادية وانهيار مالي غير مسبوق. والأنكى أنه في أحدث تقرير لوزير المال في فذلكته لمشروع الموازنة، قدّر الواردات بـ308.435 مليار ليرة أي بتحقيق فائض نحو 13.321 مليار ليرة، وهذا من الصعوبة بمكان تحقيقه في دول تملك مقدرات اقتصادية كبيرة ولا تعاني من أزمات، فكيف بدولة مثل لبنان؟ كيف لبلد يعاني من اختلالات بنيوية في مؤسساته العامة والخاصة ومن انكماش حاد في الاقتصاد أن يحقق فائضاً مالياً؟".

في اقتراحات لجنة المال والموازنة تم إلغاء 46 مادة تتضمّن ضرائب ورسوماً جديدة لرفد خزينة الدولة، ويرى عمر أنه "في بعض هذه الإلغاءات حق لتجنيب إرهاق المواطنين بأعباء ضريبية إضافية أو لآثارها السلبية مثل المادة 20 المتعلقة بفرض رسوم على من يريد إنجاز معاملاته في الإدارات العامة بسرعة. ولكن أن يُقترح إلغاء المادة 125 التي تنص على فرض ضريبة عن عمليات صيرفة على الأشخاص العاديين والمعنويين بنسبة 17%، وإلغاء فقرة مهمة من المادة 58 المرتبطة بفرض ضرائب على إيرادات رؤوس الأموال المنقولة الأجنبية، وهي إحالة جميع المكلفين الذين لم يصرحوا ويسددوا الضرائب المتوجبة عليهم ضمن المهلة المشار إليها إلى النيابة العامة بتهمة التهرب الضريبي، فهذا يدل على سطوة بعض الرأسماليين ومافيا المضاربين على بعض مواقع السلطة والتأثير على قرارات مصيرية وتشريعية".

ليست كل مواد الرسوم والضرائب المقترحة سيئة، وكما يتم التهويل على أنها كارثية، بل بعضها ضرائب ينادي بها البنك الدولي مثل الضرائب على التبغ والكحول العقارية وعلى المعاملات الرقمية. فهي تؤدي إلى تعبئة الموارد بكفاية ويزيد من القاعدة الضريبية والوعاء الضريبي وفق قاعدة العدالة والإنصاف، وتحقق في الوقت عينه الهدف منها وهو توفير موارد مالية للخزينة.

اقتراحا كتلة اللقاء الديموقراطي

تقدمت كتلة اللقاء الديموقراطي باقتراحَي قانون الأول يتعلق بمنصّة صيرفة والثاني بأموال الدعم. وجاء في الاقتراح الأول الآتي: "خلافاً لأيّ نصّ آخر تخضع الإيرادات التي حققها الأشخاص الطبيعيون والمعنيون نتيجة العمليات التي نفذتها على منصة صيرفة استناداً إلى تعميم مصرف لبنان الصادر بهذا الشأن لضريبة استثنائية إضافية نسبتها 17%. وتُعدّ هذه الضريبة من الأعباء القابلة للتنزيل بالنسبة للمكلفين على أساس الربح الحقيقي، على أن تحدد دقائق تطبيق هذه المادة بقرار يصدر عن وزير المال".

وبالنسبة للاقتراح الثاني المتعلق بإخضاع المؤسسات والشركات التي استفادت من دعم السلع لضريبة استثنائية جاء الآتي: "خلافاً لأي نص آخر، تخضع الإيرادات التي حققتها الشركات والمؤسسات التجارية التي استفادت من دعم السلع الضريبة استثنائية إضافية نسبتها 17%.

إذا كانت هذه الإيرادات داخلة ضمن أرباح مكلفين خاضعين للتكليف بضريبة الدخل على أساس الربح الدولي الحقيقي، تعتبر الضريبة الاستثنائية المسددة عبئاً ينزل من إيراداتهم.

إذا كانت هذه الإيرادات عائدة الى مكلفين خاضعين للتكليف بضريبة الدخل على أساس الربح المقطوع تضاف قيمتها الصافية بعد حسم الضريبة الاستثنائية الى الإيرادات السنوية، ويطبق عليها معدل الربح المقطوع لاستخراج الربح الصافي الخاضع لضريبة الباب الأول. يلزم جميع المكلفين الخاضعين لهذه الضريبة التصريح عن هذه الضريبة وتسديدها خلال مهلة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ نشر هذا القانون، ويتوجب على المخالف غرامات التحقق والتحصيل المنصوص عليها في قانون الإجراءات الضريبية.

على الدوائر الضريبية المختصة تدقيق أعمال المؤسسات والشركات التي استفادت من الدعم وإصدار التكاليف الضريبية خلال مهلة أقصاها سنة من انتهاء مدة الثلاثة أشهر المشار إليها أعلاه، وفي حال تبيّن أن السلع المدعومة لم يتم بيعها بأسعار مدعومة في لبنان، توجب عليها إحالة المؤسسات والشركات المعنية الى النيابة العامة المالية، ولا يمكن للشركات والمؤسسات التي استفادت من الدعم الادعاء بالسرية المصرفية لعدم اطلاع موظفي الإدارة الضريبية على الحسابات المصرفية لدى المصارف عن السنوات التي حصل الدعم خلالها.

يفتح اعتماد سنوي في موازنة وزارة المالية يعادل قيمة المبالغ المحصلة من تالك الضريبة في السنة السابقة، ويخصص هذا الاعتماد لإيفاء أموال المودعين المودعة بالعملات الأجنبية لدى المصارف العاملة في لبنان بتاريخ سابق لـ18/10/2019.

تحدد دقائق تطبيق هذه المادة عند الاقتضاء بقرار يصدر عن وزير المال".