المصدر: جريدة الأنباء الكويتية
الكاتب: بولين فاضل
الجمعة 11 تموز 2025 07:03:15
عشر سنوات تقريبا هو عمر بيوت الضيافة في لبنان أو ما يعرف بالإنجليزية باسم «Guest Houses». وكما هو حال أكثر المشاريع الحديثة العهد في لبنان، تبدأ الظاهرة على شكل «تراند» أو موضة، ثم يأخذ المسار في التصاعد إلى أن يذهب «viral»، وهذا ما حصل بالتحديد مع بيوت الضيافة التي بدأت دائرتها تتسع بالتحديد نهاية العام 2019 حين عرف اللبنانيون أقسى أزمة اقتصادية ومالية في تاريخ البلاد، تلتها جائحة كورونا التي جعلت كل أفق يضيق إلى حد ضيق العيش من دون سفر واختلاط وحياة اجتماعية.
وبمرور الوقت والتأكد من نجاح التجربة كجدوى اقتصادية، أخذت هذه الظاهرة في الازدهار، وراح عدد بيوت الضيافة يكبر شيئا فشيئا ليطول الكثير من المناطق والقرى النائية.
ولأن ثمار التجربة أتت جيدة، استطابها المقيمون والمغتربون وحتى السياح من فئة المنحازين للأجواء الريفية الهادئة والضيافة البيتية التقليدية مع ما يرافقها من عادات اجتماعية لبنانية متوارثة، فتنافس أصحاب بيوت الضيافة في تقديم المكونات الجاذبة لإقامة هانئة تغني المقيم عن السفر ومشقته، وتغني ذاكرة المغترب المكتنزة بالحنين، إلى إغناء تجربة سائح متعطش لمغامرة لا تنسى.
وهكذا تضافرت العوامل لتجربة اقتصادية اجتماعية سياحية، فكان استثمار من قبل البعض في مناطق معينة عن طريق العودة إلى الجذور وترميم البيوت القديمة تمهيدا لتحويلها إلى مشاريع رابحة عبارة عن بيوت للضيافة فيها كل ما يمت بصلة إلى التراث القروي اللبناني وما يكفل نقل النزلاء بالزمن إلى ماضي الأجداد، سواء بالديكور الداخلي أو الخارجي وأشياء الغرفة بكل تفاصيله، وصولا إلى إعداد الأطباق التراثية التقليدية المحفزة للشهية وسط الطبيعة أو قرب البحر.
ولمن يتساءل عن مصدر بيوت الضيافة كمفهوم، الجواب هو أنه مفهوم عالمي «تلبنن» (صار لبنانيا) ويقوم على فكرة اقتناء أحدهم بيتا جميلا ورثه أو اشتراه، وهو متعلق به لدرجة الرفض بأن يفرط به أحد، فيكون حفاظه عليه عن طريق تحويله إلى مشروع ثابت أو دائم هو أقرب إلى تجارة عائلية أو family business، فيصبح بيت ضيافة تستثمره العائلة وأجيالها تباعا.
ومع دخول الصيف في ذروة موسمه وتحديدا بدءا من يوليو حتى نهاية أغسطس، ارتفعت الحركة في «بيوت الضيافة» في لبنان وزادت نسبة الحجوزات فيها، وعنها تحدث لـ«الأنباء» رئيس نقابة أصحاب ومستثمري بيوت الضيافة في لبنان رمزي سلمان (تأسست النقابة قبل نحو سنتين ولها موقعها الرسمي diyafa.com.lb)، فقال إن «نسبة الحجوزات والإشغال في يوليو وأغسطس تتراوح بين 60 و70%، بينما كان من المتوقع أن تكون 100% لولا الحرب الإقليمية التي وقعت وتركت بعض الأثر لناحية إلغاء بعض المغتربين والسياح سفرهم إلى لبنان»، مشيرا إلى أن «بيوت الضيافة تشهد أيضا حجوزات لحفلات زفاف تقام فيها».
وعن ميزة بيوت الضيافة ومدى وجود منافسة بينها وبين الفنادق، قال النقيب سلمان: «وراء كل بيت ضيافة عائلة وقصة وتاريخ وميزة، لكن القاسم المشترك بينها كلها هو وجود رابط بالإرث والتراث»، لافتا إلى أن «ثمة أنواعا مختلفة من بيوت الضيافة بين ما هو على البحر أو في الجبل، أو بين ما له علاقة بالتاريخ أو بالفن أو بالطبيعة والزراعة أو بالمغامرة».
وأضاف:«الإقامة في بيت ضيافة هي تجربة فريدة من نوعها ولا تشبه أو تنافس الإقامة في الفنادق التي لها نوع آخر من الزبائن. والمميز في بيت الضيافة هو هذا التفاعل القريب بين صاحب البيت والنزلاء».
وإذا كان عدد بيوت الضيافة في لبنان يفوق الـ 600 بحسب رئيس النقابة، فإن العدد المسجل في وزارة السياحة هو 200. ثمة شروط للانتساب أو التسجيل، لكن نقابة أصحاب بيوت الضيافة قدمت أخيرا إلى الوزارة مشروعا لتغيير التصنيف وتوسعته وهو يلحظ ثلاث فئات لهذه البيوت: الفئة المؤلفة من غرفة إلى 3 غرف، الفئة التي قوامها 4 إلى 9 غرف، والفئة التي هي ما فوق الـ 9 غرف بما يشبه قرية ضيافة.
الأمر الأكيد أن بيوت الضيافة ساهمت كثيرا في تنشيط السياحة الداخلية والريفية، وهذا القطاع في رأي كثيرين هو الحاضر والمستقبل، ومحاكاته لمحبي المغامرة واستكشاف الأماكن الجديدة، تجعله قطاعا مكملا للفنادق وله خصوصيته التي هي من التراث واليه تعود.