تحقيقات "العقارية": الدولة تخسر أراضي بمليارات الدولارت

بخلاف التسريبات التي حصلت في ملفات التحقيق في دائرة السير في الأوزاعي والدكوانة، تسير التحقيقات في ملف عقارية بعبدا بسرية تامة. فباستثناء عدد الموقوفين والمطلوبين للتحقيق، لم يتم تسريب معطيات واعترافات الموقوفين ووقائع تلقي الرشاوى وتسيير المعاملات لقاء مبالغ خيالية. أما في تحقيقات النافعة فقد سُربت تفاصيل ومعلومات وأرقام دقيقة حول حجم الرشاوى التي كان يتلقاها كل موظف.


18 موظفاً موقوفاً
بما يتعلق بعقارية بعبدا، التكتم سيد الموقف، بما يشي بوجود نوايا للتوصل بالتحقيقات إلى خواتيم مأمولة، خصوصاً أن فساد الدوائر العقارية مزمن. ففي السابق كان يدفع المواطن العادي أكثر من ألف دولار للسماسرة، الذين يوزعون الغنيمة على الموظفين، حسب رتبهم وشأنهم الوظيفي. وبعد الانهيار انخفض حجم "الخوة" التي تفرض لقاء الحصول على المعاملة إلى حدود مئتي دولار، لكن حسب نوع الوثيقة المطلوبة.

تؤكد المصادر في عقارية بعبدا، أن عدد الموقوفين وصل إلى 18 موظفاً، إضافة إلى نحو سبعة سماسرة ومعقبي معاملات، أوقفوا تباعاً، بعد اعترافات الموقوفين الذين سبقوهم. علماً أن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي وثقت المخالفات والتجاوزات لأكثر من شهر. وبعد التحقيقات التي أجراها ويجريها المحامي العام القاضي سامر ليشع، يتم تحويلهم إلى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور. وتؤكد المصادر، أن المعطيات في هذا الملف ما زالت تتكون تباعاً، بما يشي بجدية سير التحقيقات.

تعطل الموقع الإلكتروني
مصادر مطلعة أكدت لـ"المدن" أن التوقيفات طالت أمانة سجل بعبدا العقاري كله، وأقفلت الدائرة، علماً أنها بدأت بتوقيف أحد المعقبين، الذي اعترف.. فكرَّت سبحة التوقيفات. لكن المصادر تستغرب كيف لم يتم العمل على كشف الفساد في أمانات سجل أخرى، مثل المتن وجونية وجبيل وغيرها من المناطق. فالفساد في بعبدا هو عينه في كل أمانات السجل في كل قضاء من الأقضية اللبنانية. 

وبما أن التحقيقات تطال ملف الفساد الإداري والإثراء غير المشروع، فكان من الطبيعي أن تطلب وثائق "نفي الملكية" للتثبت من أملاك المتهمين، هذا رغم أن التلاعب في كيفية تسجيل الأملاك قائم. وقد تعطل الموقع الإلكتروني للمديرية العامة للشؤون العقارية منذ يوم أمس، لأنه يضم بيانات مفتوحة يمكن للمواطن الاطلاع على "الصفيحة العقارية" لقاء بدل مالي يدفع أولاين، ومعرفة ملكية أي عقار في لبنان.
وتشير المصادر إلى أن التحقيقات قد تشمل مشاعات الدولة، وهي الأساس في ملف الفساد في الدوائر العقارية. فالرشى التي حصلت كانت بمثابة السطو على جيب المواطن، بينما في قضية المشاعات فكان السطو على أملاك الدولة، وخسارة ملايين الأمتار من الأراضي غير الممسوحة.

فساد عقاري مزمن
مصادر مطلعة على ملف سرقة مشاعات الدولة، حقق فيها التفتيش المركزي سابقاً وتوصل إلى نتائج كثيرة، أكدت أن هذا الملف مزمن وأدى إلى خسائر تعرضت لها أملاك الدولة بمليارات الدولارات، لاسيما في المناطق غير الممسوحة أو الممسوحة تقريبياً وفق الخرائط الجوية العائدة للعام 1958.
وتشرح المصادر، أن الدور الأساسي يقع على عاتق القاضي العقاري ومصلحة المساحة وصولاً إلى مدير عام الشؤون العقارية. فالقاضي العقاري يمكنه رفض الخرائط وطلب إعادة التحقيق فيها. لكن حصلت فضيحة كبرى في الجنوب منذ نحو 15 عاماً، عندما طلب القاضي العقاري من رئيس المساحة في صيدا إلغاء الخرائط التي ثبتها القاضي العقاري الذي سبقه، وتم فيها تثبيت ملكية الدولة لمناطق مصنفة حرجية في دير انطار بقضاء بنت جبيل. فأبلغ رئيس المصلحة التفتيش المركزي وبدأت التحقيقات. لكن نفوذ الشخص المعني من آل حجيج أدى إلى تسجيل تلك الأراضي باسمه ومساحتها مليون و223 ألف متر. وعاد التفتيش ورفع دعوى، بعد الدعوى الأولى بحق القاضي العقاري، باسم الدولة اللبنانية لاسترداد أملاكها. وما زالت القضية قائمة في هيئة القضايا في وزارة العدل، إلى حد اليوم.
وتضيف المصادر أنه في الجنوب والبقاع تم تزوير خرائط عقارات للدولة لا حصر لها ولا تقدير، في مختلف المناطق، ولا سيما بما كان يعرف بمناطق الشريط الحدودي، التي لم تمسح كلها بعد. وحتى في المناطق المحاذية للشريط الحدودي أيضاً. وإحدى عينات السطو على أملاك الدولة ما حصل في دير انطار.

تعطل التفتيش
في السابق تم توقيف أمناء سجل وموظفين في أكثر من منطقة. وصُرف موظفون من الخدمة بعد إحالتهم إلى الهيئة العليا للتأديب. فقد تمكن التفتيش من كشف ملفات عدة كان "بطل" إحداها أمين السجل العقاري في صيدا سابقاً ف. الح. فبعد شكاوى متكرّرة حول مخالفات وتقاضي رشاوى وتأخير معاملات المواطنين، ضبط بالجرم المشهود، ونقل تأديبياً إلى مكان آخر. وعاود الكرة وصدر قرار بصرفه من الوظيفة بعدما حوكم أمام الهيئة العليا للتأديب. 

في المحصلة، أدت السياسات المتبعة إلى تحطيم التفتيش المركزي والأجهزة الرقابية، وباتت الأجهزة الأمنية تتولى التحقيقات بهذه القضايا الإدارية، كما حصل في النافعة مؤخراً، وفي العقارية حالياً، بينما في السابق كانت الأجهزة الأمنية تساعد التفتيش وتخابره، ويقوم هو بالتحقيقات، كما حصل في قضية أمين سجل صيدا.