تحقيقات المرفأ: صدفة الدورة البرلمانية الاستثنائية.. وخبث الحصانات

كتب نادر فوز في المدن:

من باب الصدفة، أو ربما بفعل ذكاء أو خبث متّقدان، يأتي الإعلان عن فتح دورة استثنائية لمجلس النواب بالفائدة على أركان السلطة السياسية المدّعى عليهم في ملف انفجار مرفأ بيروت. وقّع رئيس الجمهورية، ميشال عون، على مرسوم عقد استثنائي للمجلس يُفتتح في العاشر من كانون الجاري ويختتم في 21 آذار المقبل. وللصدف أيضاً، أنه في 22 آذار يبدأ العقد العادي الأول للبرلمان حسب ما تحدّده المادة 32 من الدستور اللبناني، ابتداءً "من يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار حتى نهاية أيار". وللصدف، مجدداً، فإنّ الانتخابات النيابية مقرّرٌ إجراؤها في أيار. من بعدها، حصانات جديدة، استشارات، تشكيل للحكومة ودوّامة تشريعية وسياسية. والخلاصة أنّ حصانات النواب المدعى عليهم في ملف المرفأ باقية إلى ما شاء الله.

 

رأي النيابة العامة
في هذا السياق، لا بد من انتظار رأي النيابة العامة بهذا الخصوص. سبق للمحامي العام التمييزي، القاضي ​عماد قبلان​، أن أحال مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة ضد الوزير علي حسن خليل إلى الأجهزة الأمنية يوم 14 كانون الأول الماضي. وطلب تنفيذها خارج دورة الانعقاد العادي التي انتهت ليل 31 كانون الماضي. أي أنه منذ الأول من كانون الثاني الجاري وحتى العاشر منه (موعد انطلاق العقد الاستثنائي)، بإمكان القوى الأمنية تنفيذ مذكرة التوقيف. وسألت "المدن" عن التمييز بين الدورة العادية والاستثنائية في البرلمان، وإمكانية ملاحقة النواب خلال دورات استثنائية، إلا أنّ الجواب أنّ المواد الدستورية "لا تميّز بين العقود العادية والاستثنائية". إلا أنّ طلب رأي النيابة العامة بهذا الخصوص ضروري، خصوصاً أنّ التسلّح بهذه المواد يعني أنّ المدعى عليهم السياسيين لن يمثلوا أمام المحقق العدلي حتى حزيران المقبل، إن تمّ تشكيل حكومة جديدة حينها.

 

تسلّح بالمواد القانونية
وإضافة إلى ذلك، يتسلّح قانونيون مقرّبون من المدعى عليهم بواقع أنّ الادعاء الأول على النواب تمّ خلال فترة انعقاد المجلس (في كانون الأول 2020، بادعاء صادر عن المحقق العدلي السابق القاضي فادي صوّان). وتأكيداً على عدم الفصل بين العقود العادية والاستثنائية، تشير المادة 90 من النظام الداخلي لمجلس النواب إلى أنه "‎لا تجوز خلال دورات انعقاد المجلس، ملاحقة النائب جزائياً أو اتخاذ إجراءات جزائية بحقه أو إلقاء القبض عليه أو توقيفه إلا بإذن ‏المجلس ما خلا حالة التلبس بالجريمة". فتلفت هذه المادة إلى أنه "خلال دورات انعقاد المجلس". أي بغض النظر إن كانت عادية أو استثنائية.

ردّ ناجي عيد
وكما سبق وأشارت "المدن"، تقدّم وكلاء الدفاع عن الوزيرين السابقين النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر بطلب ردّ رئيس الغرفة الأولى لمحكمة التمييز، القاضي ناجي عيد، الناظر في طلب الردّ المقدّم ضد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. وبالتالي، أصبحت الكرة الآن في ملعب الهيئة العامة لمحكمة التمييز، التي يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، لتحديد مرجع قضائي للبتّ بطلب الردّ المقدّم ضد عيد. ولدى السؤال عن الفترة الزمنية التي يمكن أن يتمّ فيها البتّ بردّ عيد، تشير مصادر قانونية وقضائية إلى أنه "بالإمكان اتخاذ موقف مناسب بغضون يوم واحد، أو ربما أسابيع، ولا مهل زمنية بهذا الخصوص". وقبل البتّ بطلب ردّ عيد، لا إمكانية للبتّ بطلب ردّ البيطار، وهو ما يعني أنّ التحقيقات متوقفة لحين تذليل هاتين العقبتين.

تستمرّ المرحلة الحالية لكفّ يد القاضي طارق البيطار منذ 23 كانون الأول الماضي. وهي محطة التعطيل الثالثة التي يواجهها البيطار، الذي سبق وكُفّت يده مرّتين بفعل طلبات الردّ. مرحلة التعطيل الأولى بين 27 أيلول و4 تشرين الأول الماضي، والثانية بين 12 تشرين الثاني والثامن من كانون الأول الماضي. ووضع حدّ للتعطيل الثالث بين يدي محكمة التمييز. أما تنفيذ مذكرة التوقيف بحق الوزير خليل، في انتظار رأي النيابة العامة بهذا الخصوص، أو أقلّه توضيح وتصويب لهذا الموقف.
فهل ثمة من سيأخذ على عاتقه مهمّة توضيح ما يحصل من تعطيل وعرقلة في ملف التحقيق لذوي الضحايا والشهداء وعموم اللبنانيين؟
هل ثمة من يبغى تقديم التبريرات القانونية لكل هذه العراقيل؟
وهنا عودة مجدداً إلى مبدأ الصدفة أو الذكاء والخبث المتّقدين. هل من صدف في السياسة؟ خصوصاً إن كان لاعبوها بمستوى دهاء يصل حدّ الوقاحة؟
صدفةً أو من دونها، لا تعديل يطرأ على الموقف من هذه الطبقة السياسية بكل ألوانها وأطيافها.