تخوين وتنمّر.. نهاية الاجتماع اللبناني على حرب غزة

لم يصمد الاجتماع السياسي اللبناني حول حرب غزة وتداعياتها اللبنانية، أكثر من شهر. انتهى "شهر العسل" و"الترقب" السياسي، وانفجرت الانتقادات التي استدرجت حملة تخوين طاولت اعلاميين وناشطين معارضين لـ"حزب الله"، كانوا انتقدوا خطاب الامين العام لحزب الله حسن نصر الله، وشنوا حملات طاولت جمهوره.

وفي المقابل، انتشرت ملصقات في مواقع التواصل، بدءاً من الاثنين، تتهم المنتقدين بالعمالة والوقوف الى جانب الاحتلال في المعركة، وتأييد الجانب الأميركي الداعم للحرب على غزة. لا جديد في الاسماء التي عُرفت في وقت سابق، انتقادها لحزب الله، ومعارضتها له، وسبقت أن اختبرت الانتقادات نفسها، وهي اليوم تتكرر إثر تسعير سياسي في مرحلة ما بعد خطاب نصر الله.

وبات الخطاب الاخير الذي تلاه نصر الله، يوم الجمعة الماضي، للمرة الاولى منذ اندلاع عملية "طوفان الاقصى"، مفصلاً في السياسة اللبنانية، ومحدداً للساحة الداخلية. حتى دقائق سبقت الخطاب، كان اللبنانيون يتخوفون من اشتعال حرب، وكان الهاجس منع هذه الحرب من الاندلاع، وهو ما فرض مفردات تهدئة على أدبيات التخاطب المعارض للحزب.

أما بعد الخطاب الذي لم يعلن فيه نصر الله التوسّع في المواجهة، فقد استعاد الجدل زخم ما قبل 7 تشرين الاول، وأحيا الاصطفاف الداخلي على خلفيات الانقسامات السياسية الحادة منذ سنوات.

والحال أن سياق المعارك المندلعة في الجنوب على إيقاع حرب غزة، والخطوط الحُمر التي رسمها الحزب لجهة إسقاط "حماس" أو تفريغ غزة، بدلت الكثير من الوقائع. باتت غزة، رغم صمودها الاسطوري، مهددة بقضم مساحة منها، فيما يجد الحزب نفسه مكبلاً عن الخوض في معركة واسعة لا تؤازره فيها قوى عسكرية أخرى تنتمي للمحور نفسه.

تحول معارضو الحزب الى الهجوم، بعد ضمانة عدم توسيع المواجهة الى حرب واسعة. يركزون على أن الحزب مكبل ومردوع، في خطاب يُراد به منع اعلان نصر ضد خطط الهزيمة التي أرادها الاحتلال، وتالياً، منع استثماره في الداخل اللبناني لجهة تزكية مرشح لرئاسة الجمهورية، أو تحديد مآلات الصراعات الداخلية لحساب محوره، وهو ما يفسر الهجوم الواسع على نصر الله.

هذا الجانب من التعامل التحشيدي في الاعلام، حفّز جمهور "حزب الله" على الرد بالادبيات نفسها التي لطالما واجه بها الحزب خصومه، أي التخوين، فانتشرت الملصقات والردود التي تتهم معارضي الحزب بالانحياز الى جانب الولايات المتحدة، في مقابل ردّ هؤلاء على الجمهور باتهام الحزب بالانحياز لواشنطن.

باتت الولايات المتحدة، في هذا الجدل تحديداً، محور النقد ونقيضه، وهو نقاش قائم على افتعال الوقائع، ولا يؤثر في مجريات المعركة ولا بتحديد مآلاتها ولا بتبديد مخاطر الصراع الآخذ بالتوسّع تدريجياً. لكنه رغم كل ذلك، يثبت أن الاجتماع اللبناني على قضية انسانية، انتهى بعد شهر من الحرب، وتحوّل الى حسابات سياسية بما يتخطى أي جهد لحماية لبنان من مخاطر النزاع المحتدم، والالتفاف على حماية المدنيين والأخذ بحسابات الأفراد والسكان، أولئك المحرومون من ارتياد منازلهم في الجنوب، أو الذين خططوا لإخلاء منازلهم وممتلكاتهم، وأولئك الذين يعيشون على المهدئات.