تصويب ناري على ما يحضّر له صندوق النقد: سابقة في تاريخ الأمم إبراء ذمّة الفاسدين والاقتصاص من الأبرياء؟!

ظاهرة غريبة تلوح في أفق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي... "إبراء ذمّة الفاسدين والاقتصاص من الأبرياء". هذا ما كشفه خبير مصرفي لـ"المركزية" إثر إعلان نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي إفلاس الدولة ومصرف لبنان، حتى لو عاد وصوّب كلامه، فهو أعلن ما يتحضّر له ربما في المفاوضات مع صندوق النقد: إقفال المصارف وأخذ أموال المودِعين للتعويض عن الخسائر.

"... وكأنهم يُكملون خطة حكومة حسّان دياب" يقول الخبير الذي يسأل "مَن أفلس الدولة؟ لقد أفلستها السياسات الخاطئة بالتأكيد والتي وسّعت الباب أمام الهدر والفساد... فهل يجوز تحميل إفلاس البلاد للمصارف والمودِعين؟!... يتساءلون ما العمل إذاً؟ فيما الجواب ليس خفيّاً عليهم وهو البدء بالإصلاحات الجذرية أولاً... لكنهم لا يرغبون في ذلك".

ويكشف الخبير المصرفي أن مسؤول بعثة الصندوق أرنستو ريغو راميريز سمع كلاماً قاسياً من الهيئات الاقتصادية خلال اجتماعه معها أمس، فاستاء لدرجة التهديد بركوب الطائرة للعودة إلى بلاده. فسئل حينها "هل ستُعطون القرض المنتظر لإنقاذ لبنان، إلى الدولة كي يعود السياسيون أنفسهم لهدرها مجدداً ونُكمل في مسيرة الانهيار؟!".

ويسأل "إذا أفلَسَت الدولة ومصرف لبنان، هل تُحَصِّلون الأموال من الشعب الكادح؟! أفليس الأجدى البدء بالإصلاح ومعرفة مُختَلِسي المال العام والفساد، قبل أخذ جَنى عمر الناس؟!"، من دون أن يغفل الإشارة إلى أن "الوزير الشامي سبق أن عَمِل في صندوق النقد الدولي نحو 20 عاماً وهو يتبنى ذهنيّة الصندوق ومفاهيمه... ويُفاوِضه على أساس أن الدولة مُفلسة وكذلك البنك المركزي. إذا كان الإثنان مُفلسين فهل يجوز أن تُحصَّل الأموال من الشعب الكادح؟ أليس من المفترض المباشرة بالإصلاحات المطلوبة ومعرفة مَن سرق أموال الدولة وتسبَّب بالهدر والفساد... قبل أخذ أموال الناس ومعاقبة المصارف لأنها عملت طوال كل تلك السنوات ودعمت الاقتصاد وعزّزت النمو؟!

ويُضيف: الدولة أفلست بسبب الهدر والفساد، فهل يقبَل صندوق النقد تعويض الهدر والفساد من أموال الناس الذين "لا ناقة لهم ولا جَمَل" في كل ما وصلت إليه البلاد؟! فهو جاء إلى لبنان لإنقاذه من هذه الأزمة، كما أن الخزينة الأميركية طلبت التحقيق في أموال الفاسِدين، فهل يجوز أن تُشَرِعن المؤسسة الدولية والوزير الشامي الفساد والهدر وتُبارِك لمَن عَمِل في إطارهما، وتعمل على تَصفير كل الأرقام وإقفال كل المصارف ولا أحد يعود يطالب بأي شيء!...

ويقول الخبير المصرفي آسفاً: لقد عوَّلنا على صندوق النقد ليضع إصبعه على الهدر ويعوّض الخسائر الناتجة عنه، ولم نُدعيه لإعطاء براءة ذمّة لكل الفاسدين والمُرتَشين، لكنه للأسف هذا ما يقوم به اليوم... وهذا سيُسجّل دولياً. وما حصل في قبرص خير شاهد على سياسة الصندوق أينما حلّ، حيث تسبّب مصرفان اثنان بأزمة كبيرة فعمد صندوق النقد إلى إنزال القصاص بكل المصارف بدون استثناء واستحوذ على كل الأسهم وبدّل رؤساءها، بعدما تفاوض مع المصرفَين المذكورين كيف سيقوم بهذه الإجراءات... على صندوق النقد أن يفتّش عن المُذنب ويساعد البلاد، لا أن يعمد إلى التفاوض مع المُذنب كم سيأخذ من أموال الأبرياء؟!

ويستنكر في السياق، الكلام عن أن الدولة خسرت كل موجوداتها، "لكننا نؤكد أن الدولة ليست مُفلسة بل مُتعثرة... إنما للأسف نرى أن صندوق النقد يعطي براءة ذمة لكل مَن سرق ونَهَب، ويفتّش عما تبقّى لدى المصارف من ودائع".

ويتابع: المستغرَب أنهم يلمّحون باستمرار إلى كبار المودِعين لتصويب هدفهم، وهنا نسال مَن هم المودِعون الكبار؟؟ هم الذين موّلوا الدولة ورفدوها بالأموال كلما احتاجت إليها... فهل يجوز القضاء على أموالهم لأن المؤسسة الدولية لا تستطيع الوصول إلى الفاسدين؟! إنها هذه سابقة في تاريخ الأمم... إذا كان صندوق النقد يمهّد لإعطاء المُرتَشين والفاسدين ما تبقى من أموال المودِعين ... فعلى الدنيا السلام.

ويسأل ختاماً: ماذا سيستفيد لبنان من قرض صندوق النقد طالما سيذهب هدراً وفساداً كما ذهب غيرها من القروض. وإذا لم يقم بالإصلاحات المطلوبة بل سيكتفي بأخذ أموال المودِعين الأبرياء لتعويض الخسائر ويسامح السياسيين على كل ما اقترفوه ويُعطيهم براءة ذمّة دولية، فلماذا إذاً تطالب الولايات المتحدة بملاحقة الـPEP من العملاء (شخصيات مهمّة ومعرّضة سياسياً)، طالما أن صندوق النقد سيُمحي كل شيء ويُبرّئ الفاسدين ومُختلسي أموال الدولة، ويقضي على جنى عمر الأبرياء؟!