تفصيل لبناني صغير في مأساة كبيرة

ليس الكلام الذي صدر عن شربل وهبة، وزير الخارجية اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها حسّان دياب، حدثا عابرا. صحيح أنّ وهبة اضطر إلى تقديم استقالته والاتصال بالسفير السعودي في لبنان لتقديم اعتذار، لكن الصحيح أيضا أن المشكلة تكمن في مكان آخر. تكمن المشكلة بكل بساطة في أن شربل وهبة، الدبلوماسي بالصدفة الذي وصل إلى موقع سفير للبنان في فنزويلا، ينتمي إلى مدرسة ما زالت تستخدم في عملية السيطرة على لبنان ووضعه في تصرّف إيران.

على رأس هذه المدرسة رئيس الجمهورية ميشال عون الذي ارتضى الوصول إلى قصر بعبدا بصفة كونه مرشّح “حزب الله”. هذه مدرسة تشرّبت العنصرية والجهل والحقد على كلّ نجاح في الوقت ذاته، مدرسة تعتقد أنّ في استطاعة المسيحيين في لبنان الحصول على حقوقهم بفضل سلاح لميليشيا مذهبيّة اسمها “حزب الله. ليست هذه الميليشيا سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. لا يمكن لهذه الميليشيا سوى أن تجرّ لبنان إلى كارثة أخرى في حال استمرّت في لعبة السماح لما يسمّى منظمات فلسطينية بإطلاق صواريخ انطلاقا من الأراضي اللبنانيّة في اتجاه الأراضي الإسرائيلية.

من هذا المنطلق، ثمّة ما هو أبعد من كلام شربل وهبة الذي لا يعرف شيئا عن المجتمعات العربية الأخرى. ثمّة مشكلة متعلّقة بموقع لبنان في المنطقة وهل فقد لبنان عمقه العربي؟

عمر المأساة اللبنانية منذ العام 1969 تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم بين قائد الجيش، وقتذاك، أميل بستاني من جهة، وياسر عرفات بصفته رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمّة التحرير الفلسطينية من جهة أخرى. بموجب اتفاق القاهرة، تخلّت الدولة اللبنانية عن سيادتها على جزء من أرضها للفدائيين الفلسطينيين الذين انتقلوا من الأردن بالمئات إلى لبنان، خصوصا بعد أحداث العام 1970.

قليلون في لبنان فهموا معنى هذا التحوّل الذي قاد إلى انفجار لبنان من الداخل في 13 نيسان – أبريل 1975 وصولا إلى الاجتياح الإسرائيلي في مثل هذه الأيّام من العام 1982.

بين 1969 و2021، أي في ما يزيد على نصف قرن، كانت هناك محاولة وحيدة لإنقاذ لبنان وإعادته إلى خارطة المنطقة. قاد تلك المحاولة رفيق الحريري الذي أعاد الحياة إلى بيروت وحولّها مجددا إلى مدينة يقصدها العرب والأجانب. أعاد، بين ما أعاده إلى لبنان، الكهرباء التي بات محروما منها الآن.

ليس سرّا أن “حزب الله” كان وراء اغتيال رفيق الحريري وصولا إلى اغتيال لبنان عن طريق “العهد القوي” الذي على رأسه ميشال عون وصهره جبران باسيل رئيس “التيار الوطني الحر”.

لا يمكن عزل العبارات المهينة التي وجّهها شربل وهبة إلى أهل الخليج، مع تركيز خاص على المملكة العربية السعودية، عن ثقافة “التيّار العوني” الذي ينتمي إليه. ينفّذ هذا التيّار خطّة واضحة تستهدف تدمير لبنان تحت شعار الإصلاح والتغيير… واستعادة حقوق المسيحيين.

هناك خلاصة سيصل إليها قريبا اللبنانيون الذين فقدوا بلدهم. تقول هذه الخلاصة إنّ يوم انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية في 31  تشرين الأوّل – أكتوبر 2016، لا يقل شؤما عن يوم توقيع اتفاق القاهرة بين قائد الجيش وياسر عرفات برعاية جمال عبدالناصر. كان استمرار الفراغ أفضل بكثير من انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية. ففي عهد ميشال عون وصهره اختفت الكهرباء وطار مرفأ بيروت وانهار القطاع المصرفي. يصبّ كلّ ما يفعله “العهد القوي” في الوقت الحاضر في تدمير المؤسسات اللبنانية وسد سبل العيش أمام اللبنانيين كي لا يعود أمامهم سوى الهجرة.

يتبيّن كلّ يوم أكثر أن تهجير اللبنانيين من بلدهم هو الهواية المفضّلة لدى ميشال عون الذي حقّق في أثناء وجوده في قصر بعبدا بين أيلول – سبتمبر  1988 وتشرين الأوّل – أكتوبر 1990، بصفة كونه رئيسا لحكومة مؤقتة مهمّتها انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، إنجازا ضخما. يتمثّل هذا الإنجاز في خوض حربين من أجل الوصول إلى موقع رئيس الجمهورية. الأولى استهدفت المسلمين وسمّيت “حرب التحرير” والأخرى استهدفت المسيحيين وسمّيت “حرب الإلغاء”. هجم ميشال عون، مستخدما ألوية في الجيش اللبناني بقيت موالية له على مواقع سورية في لبنان. قتل مواطنين لبنانيين ولم يقتل عسكريين سوريين. 

يعتبر ما يشهده لبنان حاليا، حيث لا كهرباء ولا وقود للسيارات ولا أدوية في ظلّ انهيار كامل للعملة الوطنيّة، بمثابة استكمال لمسيرة ميشال عون. لذلك، ليس كلام شربل وهبة سوى تفصيل صغير في لعبة كبيرة يخشى أن تقضي نهائيا على لبنان الذي يفقد تباعا المقومات التي قام عليها فيما همّ رئيس الجمهورية منع تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري من جهة وإنقاذ المستقبل السياسي لصهره جبران باسيل الذي فرضت عليه عقوبات أميركية بموجب قانون ماغنتسكي المتعلّق بالفساد من جهة أخرى. إنّها عقوبات سيكون صعبا على الصهر العزيز الطامح إلى أن يكون رئيسا للجمهورية الخروج منها يوما.

في ظلّ الوضع البائس والحزين الذي يعيش في ظلّه اللبنانيون، لا يزال لحسن الحظ مكان للنكات السياسية. تقول إحدى تلك النكات في وصفها لـ”التيار العوني”، “استلموا الطاقة فكانت عتمة 24 ساعة على 24. استلموا وزارة الخارجية، فلم يبق للبنان صديق في العالم كلّه. استلموا رئاسة الجمهورية فذهب البلد إلى جهنّم”.

في النهاية، ما الذي يمكن توقّعه من بلد رئيس الجمهورية فيه ميشال عون، فيما يتحكّم بكلّ مفاصله “حزب الله”. ليست أقوال شربل وهبة سوى تفصيل صغير في مأساة  كبيرة. تتمثل هذه المأساة في إعادة تموضع لبنان خارج المنظومة العربيّة. يسير لبنان وفق أجندة إيرانية يتولّى تنفيذها “حزب الله”. لذلك، يبدو وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان محقّا إلى حدّ كبير عندما يقول “إنّنا حريصون على مستقبل لبنان، لكن عليه أن يجد السبيل إلى إنقاذ نفسه”، مضيفا “إنّ هيمنة حزب الله على القرار السياسي (اللبناني) تعطّل أي إصلاح حقيقي”.