المصدر: نداء الوطن
الكاتب: ألان سركيس
الجمعة 24 تشرين الأول 2025 07:04:42
تتكدّس الملفات على الساحة اللبنانية. ويدخل تحليق المسيّرات الإسرائيلية في سماء لبنان واختراقها أجواء قصر بعبدا كعامل قلق جديد. وما بين هذه المخاوف يبقى «حزب اللّه» ومعه حركة «أمل» يتصرفان وكأن الأمور تسير بشكل طبيعي.
شكّلت حرب «تموز» 2006 فرصة لـ «حزب اللّه» للانقضاض على الحكم. كلّ ما جنته ثورة 14 آذار حاول ضربه، وورث كلّ أساليب النظام السوري وأدواته، وأتت عملية 7 أيار 2008 والذهاب إلى مؤتمر الدوحة لتقلب التوازنات السياسية في البلاد، فتغلغل أكثر في الدولة وضرب أُسسها.
استغلّ «حزب اللّه» شهية الحلفاء على السلطة، فمنحهم ما يريدون شرط تغطيتهم السلاح، نال الغطاء المسيحي من «التيار الوطني الحرّ» وحافظ على الشريك الشيعي، أي رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي يستطيع التكلم مع الداخل والخارج.
وإذا كانت غلطة 14 آذار حينها الرهان على برّي ومحاولة احتضان «الثنائي الشيعي»، فهذه الغلطة تتكرّر اليوم بعدما انقلبت الموازين السياسية. «حزب اللّه» ضعيف وفقد أمينه العام السيّد حسن نصراللّه، إيران تعاني، ونظام الأسد سقط، وبالتالي تستطيع الدولة فرض هيبتها وسيطرتها واحتكار السلاح.
ويحلم كلّ مواطن لبناني بعودة سلطة الدولة وسيطرتها وتحرّره من حكم «الدويلة»، لكن هناك من بداخل السلطة يُفرمل هذه الأحلام ويسير بالبلاد عكس بوصلة وخطّ سير المنطقة بأكملها، ويريد ردّ عقارب الساعة إلى الوراء.
ويتصرّف «حزب اللّه» وبرّي وكأنهما لا يزالان يتحكّمان بخيوط اللعبة، وكأن حرب «الإسناد» لم تحصل، ويعمل برّي على فرملة المفاوضات غير المباشرة التي تحدّث عنها رئيس الجمهورية جوزاف عون، مع أن الرئيس شرح بأنه يريد استنساخ تجربة المفاوضات على الحدود البحرية والتي قادها برّي بمباركة «حزب اللّه». وإذا كانت الدولة اللبنانية تطمح بحصول هذه المفاوضات لكي لا يبقى لبنان جزيرة معزولة عن العالم العربيّ وما يجري من مفاوضات، إلّا أن روزنامة مفاوضات «الحزب» تحدّدها مصالح إيران وليس مصالح الدولة اللبنانية، فإذا كانت طهران ترغب في الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن عندها يتجاوب «الحزب»، وبالتالي أوعز «الحزب» إلى برّي لفرملة اندفاعة عون وعدم الذهاب حاليًا إلى مفاوضات غير مباشرة، وأفتاها بالبقاء على «الميكانيزم» واتفاق 27 تشرين الثاني.
ويعمل «حزب اللّه» جاهدًا أيضًا لفرملة اندفاعة الدولة اللبنانية نحو حصر السلاح بيد القوى الشرعية، ويتعامل وكأن جلستي 5 و 7 آب لم تحصلا. وتقع على عاتق الدولة اللبنانية مسؤولية تطبيق قراراتها. ويدخل موضوع مسايرة بعض أطراف السلطة لـ «الحزب» كعامل يضرّ مصالح لبنان. وباتت الصورة واضحة أمام من يتولّى المسؤولية: إمّا تحزم الدولة أمرها وتبسط سيادتها أو ستواجه الحرب. وبالنسبة إلى «حزب اللّه» فهو لا يبالي بالدمار والخراب اللذين قد يسبّبهما لبيئته أولًا وللبنانيّين الآخرين ثانيًا، من هنا، يعمل لعرقلة مسألة حصر السلاح، ويذهب بعيدًا في تصاريحه وخصوصًا المتعلّقة باستعادة عافيته وبناء قدراته، وكأنه يدعو إسرائيل إلى حفلة حرب جديدة ويمنحها مبرّرًا لضربه وضرب لبنان.
ولا يعمل «حزب اللّه» على تعطيل الملفات الاستراتيجية فقط، بل يتفضى للداخل عبر عرقلة الانتخابات النيابية عبر برّي، ويضع كلّ ثقله لمنع الاغتراب من الاقتراع كلّ في دائرته، وبالتالي يظن نفسه أنه لا يزال يتحكّم باللعبة البرلمانية وبنتائج الانتخابات النيابية عبر فائض القوّة الذي كان يمتلكه.
يتصرّف «حزب اللّه» وفق ثلاثية جديدة وهي تعطيل الاستحقاقات التي لا تتوافق مع أجندته وأجندة طهران، فمن المفاوضات مع إسرائيل مرورًا بمسألة حصر السلاح وصولًا إلى الانتخابات النيابية، كلّها مواضيع يعمل «الحزب» على نسفها، وهنا ينتظر من الدولة والقوى الأخرى الوقوف في وجهه وعدم السماح له باستعادة قدراته التعطيلية وسيطرته على القرار السياسي، وإلّا تكون عقارب الساعة قد عادت إلى الوراء فعلًا.