جلسة السّلاح: بين ضغط الخارج وحسابات الداخل...وذهاب الملف اللبناني الى المجهول!

تتجه الأنظار إلى جلسة مجلس الوزراء التي تُعقد عند الثالثة من بعد ظهر الثلاثاء في القصر الجمهوري في بعبدا، برئاسة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، والتي يُفترض أن تناقش مستقبل سلاح حزب الله. غير أنّ المؤشرات السياسية والميدانية مجتمعة توحي بأن الجلسة لن تفضي إلى قرار حاسم، في ظل ترجيحات بتأجيل مناقشة هذا البند إلى جلسة الخميس المقبل أو الأسبوع الذي يليه، ضمن مساعٍ حثيثة لتفادي انقسام حكومي قد يهدد الاستقرار ويدفع البلاد إلى أزمة مفتوحة.

من الناحية الدستورية، الشروط الإجرائية مكتملة: نصاب الثلثين متوافر لانعقاد الجلسة، كذلك الميثاقية مؤمّنة، وحتى التصويت، إن حصل، فهو مضمون من الناحية العددية. ومع ذلك، تُفضّل الرئاسة اللبنانية، ومعها أطراف أخرى في الحكومة، اعتماد خيار التوافق السياسي، إدراكًا منها لحساسية الملف وإنعكاساته على توازنات الحكم. وتشير معلومات لـ"المدن" إلى أن لبنان طلب مهلة إضافية من أسبوعين لاستكمال المشاورات وتفادي التصويت، وهو ما وجد تجاوبًا من الإدارة الأميركية عبر رسائل متبادلة بين بعبدا وواشنطن: "الرئيس جوزاف عون لا يريد أي مواجهات داخلية قد تهزّ الحكومة، وهو لن يسمح بانزلاق البلاد إلى صدام داخلي تحت أي عنوان".

جدول زمني ولا للمراوغة

وإن كانت واشنطن قد وافقت على منح مهلة إضافية، فإنّ موافقتها لم تأت من دون شروط واضحة. فالأميركيون، وفق مصادر دبلوماسية مطلعة، يعتبرون المهلة "فرصة أخيرة"، لا للمراوغة أو التمييع، بل لوضع جدول زمني واضح ومحدّد لتسليم سلاح حزب الله إلى الدولة. وتشدد الرسائل الأميركية وتذكر أنّه "لن يكون هناك دعم سياسي أو اقتصادي لحكومة لا تلتزم قرارًا واضحًا"، فيما يشبه الإنذار بأن الاستمرار في تغييب القرار سيعيد الملف اللبناني إلى المجهول.

مهلة أميركية تتزامن مع بدء مرحلة دبلوماسية جديدة. إذ من المنتظر أن يتسلّم السفير الأميركي الجديد، ميشال عيسى، مهامه في بيروت مطلع أيلول، ما يُعتبر، في نظر دوائر سياسية، بداية فصل جديد من الضغوط الأميركية، خصوصًا مع خروج توم باراك من الواجهة، وعدم إعادته إلى مورغان أورتاغوس، التي إن عادت إلى بيروت قريبًا، ستكون عودتها محصورة في إطار مشاورات التمديد لليونيفيل، وسط توجه لخفض العديد في ظل الضغط الأميركي والتوجه لخفض حصة الولايات المتحدة من التمويل لمهمة القوات الدولية في الأمم المتحدة. 

حزب الله: ضغط وحشد 

في المقابل، يتحرك حزب الله على عدة محاور لحماية سلاحه من أي قرارات قد تطال شرعيته أو وجوده. فعلى مستوى الإعلام، أطلق الحزب حملة مبرمجة، من بينها نشر الإعلام الحربي شريطًا مصورًا يبدأ بكلام للأمين العام الراحل السيد حسن نصر الله حول سلاح المقاومة، ويُختتم بتأكيد أنّ "المقاومة وسلاحها هما سند للجيش اللبناني"، في رسالة تحمل أبعادًا تركز على معادلة "الجيش والشعب والمقاومة."

أما ميدانيًا، فقد برزت دعوات إلى تحرّكات شعبية من البقاع ومناطق جنوبية باتجاه بيروت، تتزامن مع إنعقاد جلسة مجلس الوزراء، تحت شعار "دعم بقاء السلاح". ويجري الترويج لهذه التحركات على أنها عفوية، في حين تؤكد أوساط متابعة أنّها جزء من حملة منسقة هدفها الضغط على الحكومة ومنع أي قرار يقترب من جوهر وظيفة الحزب وسلاحه.

المصطلحات والضمانات

توازياً، تكثفت المشاورات بين بعبدا والسراي الحكومي وعين التينة، وصولًا إلى حارة حريك، لصياغة الموقف أو القرار الذي قد يصدر عن الجلسة. وتدور الاتصالات حول صياغة دقيقة تتجنب الاصطدام المباشر، مع نقاشٍ مفتوح في المصطلحات: هل تُستخدم عبارة "نزع السلاح" أو "تسليم السلاح"؟ وهل يشمل القرار جميع القوى والفصائل المسلحة بما فيها حزب الله، أم تُعتمد صيغة شاملة غير محددة؟

كما يُطرح في هذه المشاورات مدى التزام حزب الله للتعاون في تنفيذ أي خطة محتملة: هل سيكشف الحزب عن كل مخازنه ومراكزه؟ هل سيسلّم كامل ترسانته، من السلاح الثقيل إلى المتوسط والخفيف؟ 

كما أن حزب الله سواء في التفاوض أو في خلال الجولات التي يقوم بها نوابه وقياديون، يسأل إذا كانت هناك ضمانات فعلية لانسحاب إسرائيل من الجنوب؟ والأهم بالنسبة إليه هل لدى الدولة خطة تتعلق بالجيش وتعزيز قدراته وتسليمه السلاح؟ وبالتالي، ضمان حماية كل اللبنانيين.

بناءً على هذه الأسئلة، يتمسك حزب الله وحركة أمل بإتفاق وقف إطلاق النار كمنطلق لأي نقاش "ما دام لبنان التزم بمندرجات الاتفاق بكامله". كما يتمسك الثنائي بما ورد في ورقة لبنان الرسمية إلى الموفد الأميركي توم براك، التي شددت على وحدة الموقف اللبناني وربط أي خطوة ميدانية بانسحاب إسرائيل أولًا. "ومن ثم يبحث في المراحل التي تلي، أي حصر السلاح بيد الجيش اللبناني، بموجب تفاهم لبناني داخلي صرف."

الجدول الزمني وإلا؟ 

في موازاة كل ذلك، تقود القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية وقوى أخرى جبهة الضغط السياسي داخل الحكومة لإبقاء ملف السلاح على الطاولة، وحسم مسألة الجدول الزمني والآلية التنفيذية وتحديد خريطة طريق واضحة لذلك. وهي تُحذّر من أن يتحوّل تأجيل النقاش إلى دفنٍ للملف، بدلًا من أن يُشكّل خطوة نحو ترسيخ مرجعية الدولة في الأمن والدفاع، تمهيدًا لتوحيد السلاح تحت سقف المؤسسة العسكرية، من دون أن يعني ذلك تفجير الحكومة، أو أن يسمح رئيس الجمهورية لأي طرف من الأطراف بأخذ الأمور نحو المجهول.

لذلك، وإن كان المرجّح حتى الآن صدور موقف لا قرار نهائي بشأن السلاح، فإن المسار، من دون شك، طويل، معقّد، ومتعدد الاتجاهات. أما النافذة التي فُتحت، فلن تُقفل من الآن فصاعدًا. فالمهلة ليست فترة سماح، والتحذير الأميركي واضح: لا مفرّ من اتخاذ القرار، ولا بديل عن جدول زمني واضح. وإن استمرّت الاتصالات حتى اللحظة الأخيرة، فالثابت أن لبنان دخل مرحلة رسم التوازنات النهائية بين منطق الدولة ومنطق السلاح.