جمالٌ محقون بالسموم يدرّ أرباحاً طائلة... فوضى البوتوكس والفيلر بين التهريب والرقابة

بين الإقبال المتزايد في السنوات الأخيرة على عمليات التجميل، ولاسيّما حقن البوتوكس والفيلر التي تحوّلت إلى "موضة" و"ترند" تجتاح النساء وحتى المراهقات، والإتجار بهذا القطاع من دون أيّ اعتبار للمعايير الأخلاقية أو الصحية، برزت ظواهر مقلقة، من تهريب مواد غير شرعية وغير مطابقة للمواصفات، إلى انتشار "دكاكين تجميلية" تدرّ أرباحاً طائلة، فيما تُعرّض حياة الكثيرين لمخاطر جدّية.

نتيجةً لذلك، تُسجَّل بين الحين والآخر وقائع لضبط أدوية ومواد تجميل مهرّبة أو فاسدة، كان آخرها ما أعلنته المديرية العامة للجمارك التي أفادت أنّه في 15 كانون الأول/ديسمبر 2025، توجهت دورية إلى محلة أنطلياس حيث تمّ تفتيش صيدلية ودهم مستودع يحتوي على كميات كبيرة من الأدوية المنتهية الصلاحية، وكميات من البوتوكس والفيلر والهرمونات المهرّبة.

وعلى الأثر، أُقفلت الصيدلية بإشراف النيابة العامة المالية، وأُوقف صاحبها للتحقيق معه.

هذه المشاهد المتكرّرة تفتح الباب أمام إشكالية أساسية تتجاوز حادثة ضبطٍ هنا أو دهمٍ هناك، وتطرح أسئلة مشروعة عن آليات ضبط هذه السوق في لبنان. فمن المسؤول؟ ومن يراقب العمليات؟


يؤكّد مستشار وزير الصحة الدكتور جوزف الحلو في حديث إلى "النهار"، أنّ هذا الملف "حسّاس جداً ويُعدّ خطاً أحمر بالنسبة إلى وزارة الصحة"، مشيراً إلى أنّ "الوزارة تقوم بحملات دائمة على مراكز التجميل، ولاسيّما تلك غير الشرعية أو التي تستخدم مواد غير مطابقة للمواصفات".
ويلفت إلى أنّ المسؤولية لا تقع على عاتق وزارة الصحة وحدها، "إذ تتشارك فيها وزارات عدّة، خصوصاً أنّ هذه المواد تدخل لبنان عبر التهريب من خلال الحدود البرية والبحرية والجوية". ويشدّد على مسؤولية الأطباء في التحقّق من جودة المواد التي يشترونها ومصدرها، إضافة إلى مسؤولية أصحاب الصيدليات في حال بيع منتجات مهرّبة أو غير شرعية أو شرائها.


من جهته، يشرح المتخصّص بالطبّ التجميلي الدكتور علي وهبي أنّ أي منتج أو دواء يدخل البلاد يجب أن يكون مسجّلاً لدى وزارة الصحة، مشدّداً على أن هذه المواد تُشترى من الشركات المختصّة، ويجب أن تكون مرفقة بفاتورة رسمية، علماً أنّ الشركة لا تصدر فاتورة إلا إذا كان الدواء مسجّلاً لدى وزارة الصحة، كما أنّ الشركات لا يحقّ لها بيع هذه المواد إلا للأطباء.


أما على صعيد الرقابة، فيوضح الحلو أنّ لدى وزارة الصحة مراقبين يقومون بجولات تفتيش في مختلف المناطق، رغم محدودية عددهم، لافتاً إلى أنّ "وزير الصحة ركان ناصرالدين طلب زيادة عدد المراقبين الصحيين والأطباء المراقبين بهدف تكثيف الجولات التفتيشية، وقد وافق مجلس الوزراء على ذلك، ويُتوقّع أن تُستكمل الإجراءات قريباً ليلتحق المراقبون الجدد بوزارة الصحة، ما يسهّل العمل أكثر". ويضيف: "إنّ المراقبين يؤدّون واجبهم بقدر الإمكان، بمؤازرة القوى الأمنية من أمن دولة وقوى أمن ومخابرات الجيش التي يتّم التعاون معها في حالات إقفال مراكز غير شرعية". 


وفي هذا السياق، يدعو الحلو "المواطنين إلى التحلّي بالوعي، وعدم تعريض حياتهم للخطر من خلال اللجوء إلى أي مركز تجميلي من دون التحقّق من شرعيته، أو التأكّد من أنّ الطبيب المشرف يحمل ترخيصاً صادراً عن وزارة الصحة، والاستفسار عن المواد المستخدمة ونوع المنتجات وما إذا كانت قانونية وشرعية. وفي حال ملاحظة أي مخالفة، يُرجى إبلاغ وزارة الصحة فوراً عبر الخط الساخن 1214".
في المحصّلة، يبقى ضبط سوق البوتوكس والفيلر مسؤولية مشتركة بين الدولة والأطباء والصيادلة، وحتى المواطنين. وبين ضعف الإمكانات الرقابية وتفشّي التهريب، تبقى الوقاية والوعي خط الدفاع الأول لحماية الصحة العامة، ريثما تُعزّز آليات الضبط والتفتيش.