أكد مصدر مصري مواكب لزيارة رئيس جمهورية مصر العربية، مصطفى مدبولي السبت 20 كانون الأول، إن هدف الزيارة «اقتصادي، لكنها تحمل في جعبتها هدفا استراتيجيا وسياسيا يتعلق بدعم لبنان».
لا نقاش في الرسالة التي يريد مدبولي إيصالها من إن لبنان شريك لمصر وحليف استراتيجي لها، فهذا يدخل ضمن العلاقة المتينة والتاريخية بين البلدين، لكنّ السؤال يتركز في الاستفسار حول فعالية الدور المصري في ظلّ اعتداءات إسرائيلية متكررة على لبنان، ومع تصاعد وتيرة التهديدات الإسرائيلية من شنّها حربا جديدة على لبنان من أجل نزع سلاح حزب الله، وهل سيكون للدور المصري بركة اقتصاديا؟
من هذا الهدف يستطيع المتابع التوقف، فزيارة مدبولي ليست الأولى ذات الطابع الرسمي، بل سبقه إليها وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، في 26 تشرين الثاني الماضي، والتي تزامنت مع اتصال هانفي قام به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بنظيره اللبناني جوزاف عون. وفي 27 تشرين الأول، حصلت زيارة مصرية قام بها مدير المخابرات حسن رشاد، إلى بيروت والتقى من خلالها الرئيس عون وكبار المسؤولين السياسيين والأمنيين.
«حصرية السلاح»، و«التهديدات الإسرائيلية» كانا عنوان الزيارتين لمدير المخابرات ووزير الخارجية المصرية، فهذا إن دلّ على شيء على إن مصر لديها المعلومات الكافية بأن لبنان لم يزل في دائرة الخطر. وإن الدور المصري اكتفى بلعب دور الوسيط أو نقل الرسائل من الدول المعنية في الصراع القائم في المنطقة إلى لبنان الدولة المرشحة لأن تتكرر فيها الحرب طالما إن حزب الله لم يزل متمسّكا في سلاحه.
لكنّ ما ذكره المصدر المصري من إن الزيارة ذات طابع اقتصادي، يجب التوقف عنده ولا سيما إن لبنان ليس من الدول الصناعية، العمالة المصرية في لبنان في القطاع الخدماتي لا يجعل منها مرتفعة نسبة إلى دول عربية وخليجية، كي يعتبر المرء إن الزيارة تدخل في إطار حثّ لبنان إلى المزيد من التهدئة كي لا ينعكس ذلك على اقتصاد مصر أو المنطقة عامة، فما هو الطابع الاقتصادي يا ترى الذي تحمله هذه الشخصية الرفيعة المستوى، إلى المسؤولين في بيروت؟
لا شكّ إن الدور المصري المؤثر في القرارات الاستراتيجية في المنطقة تراجع بعد قرار الرئيس المصري أنور السادات الذهاب إلى قمة كامب ديفيد وتوقيع السلاح مع الجانب الإسرائيلي. لقد وجد الكثير في هذا بأنها «خطوة حيادية» اعتمدتها الدبلوماسية المصرية تجاه قضايا المنطقة، لهذا ارتفعت أدوار لدول أخرى أصبح لها تأثيرا واضحا للجم طموحات إسرائيل التوسعية في المنطقة على رأسها دولة قطر وتركيا والمملكة العربية السعودية. لهذا، فإن الدور المصري تراجع، وإن عدم الاعتراف في «اتفاق القاهرة» الذي وقّع بين وكالة الطاقة الذرية وإيران في 9 أيلول الماضي برعاية مصرية، لم يأخذ به عند دوائر القرار لا سيما في البيت الأبيض. كذلك الأمر فللقاهرة انشغالاتها وهواجسها على الصعيد الاقتصادي من خلال ارتفاع مستوى التضخم المالي، أو قلقها من التفلت الحدودي مع السودان، إضافة إلى أزمتها في مياه نهر النيل مع أثيوبيا التي لم تحسم بعد.
لكنّ رغم «تهالك» الدور المصري، إلّا أنّ الزيارة تحمل دلالات ذات أبعاد اقتصادية، إذ ليس من باب الصدف أن تأتي بعد أيام من موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وبرعاية أميركية، على التوقيع على «أكبر صفقة غاز» طبيعي مسال من حقل «ليفياثان» الذي تديره الشركة الأميركية «شيفرون» مع مصر حيث ارتفعت كميات التصدير لتصل إلى نحو 130 مليار متر مكعب حتى عام 2040.
عناوين كبيرة حملها نتنياهو في كلمته المتلفزة، وهي التي يحملها مدبولي في زيارة المسؤولين في بيروت، وعلى رأسها «الغاز الطبيعي» وشركة «سيفرون» الأميركية للتنقيب واستخراج الغاز. وهذه العناوين كافية لرسم المرحلة المقبلة القادمة على لبنان على إن «لا حرب» في المدى المنظور، وإن سحب سلاح الحزب لن يكون عبر عمل عسكري بل عبر ممارسة مزيدا من الضغوط الدولة والعربية على لبنان وبيئته الحاضنة تحت عنوان «السلاح مقابل الإعمار»، وعلى إيران الراعية الرسمي لسلاح الحزب تحت شعار «استئناف الحرب» أم «فرملة دورها العسكري في المنطقة العربية».
طرح الجانب الإسرائيلي، بالتوافق والتنسيق التام مع الجانب الأميركي، أن يصار إلى إقامة منطقة اقتصادية «ترامبية» على الشريط المتاخم للحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، تكون بديلا عن المنطقة العازلة التي انتهت بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000. فإن إقامة هذه المنطقة تحقق مصالح واشنطن في المنطقة، وتدخل من ضمن الخطة التي «طبخها» مستشاره وصهره جاريد كوشنير، ويمهد لها توم باراك ومورغان أورتاغوس ميدانيا على جولاتهما المكوكية إلى لبنان.
عين واشنطن على حقول لبنان وغزة النفطية والغازية، ولكن العمل يجب أن يتمّ في لبنان عبر إلغاء المناقصة مع شركة توتال الفرنسية، ونقلها إلى شركة سيفرون الأميركية، التي انسحبت من المناقصة التي وضعتها الحكومة عام 2017، هذا ما يوضح عمق الصراع الفرنسي - الأميركي على لبنان. لهذا باتت الرسالة الاقتصادية التي يحملها مدبولي واضحة في مضمونها، وما بات أوضح أيضا التوقيت الذي أتى بعد صفقة الغاز الطبيعي وقبل زيارة نتنياهو إلى واشنطن للقاء ترامب في نهاية هذا العام 2025، فهل سيقرأ المسؤول اللبناني زيارة مدبولي وتكون الحركة مع بركة، أم سيدخل لبنان مع العام الجديد حربا لا مهرب منها؟